بذلك أو أذنت لهم حيث قالوا : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ونحوه ، كلا إنه [ما] أمرهم بذلك أو أذن لهم في ذلك.
ومن قرأ : (أَفَحَسِبَ) على الجزم فهو على إسقاط ألف الاستفهام ، يعني : فحسب الذين كفروا ، فهو يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : فحسب الذين كفروا واتخذوا عبادي من دوني أولياء ما أعتدنا لهم من جهنم ، كقوله : (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها ...) الآية [المجادلة : ٨].
والثاني : أحسب الذين كفروا ما اتخذوا من دوني أولياء ، أي : أما كفاهم ذلك وما حان لأن يرجعوا إلى عبادتي وألوهيتي ، وقد أقمت لهم الآيات والحجج على ذلك.
والثالث : حسب لهم من الذل ما اتخذوا من دوني أولياء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً).
قال بعضهم : نزلا هو النزول وهو من النزول.
وقال بعضهم (١) : هو المنزل والإنزال ، أي : يأكلون فيها النار ؛ يكون مأكلهم ومشربهم من النار.
قال القتبي (٢) : النزل ما يقدم للضيف ولأهل العسكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
يشبه أن يكون هذا خرج على مقابلة قول كان من رؤساء الكفرة وجواب لهم ، وهو أن الرؤساء منهم كانوا يوسعون الدنيا على بعض أتباعهم ويحسنون إليهم ، ثم صار أولئك الأتباع أتباعا لرسول الله ودخلوا في دينه فضاقت عليهم الدنيا ، وذهبت المنافع التي كانت لهم منهم ، فعيرهم بذلك أولئك الكفرة ، ووبخوهم على ما اختاروا من الدين أنه لو كان حقّا لا تسع عليهم ، [في] الدنيا كما اتسع علينا وعليهم ما داموا على ديننا ، أو كلاما نحو هذا ، فأجابهم الله بذلك ، فقال : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ...) الآية.
ويحتمل : أن يكون على الابتداء في أهل الصوامع منهم والرهبان الذين اعتزلوا النساء ، وحبسوا أنفسهم لعبادة الأصنام والأوثان ، وجهدوها فيها ، وحملوا على أنفسهم الشدائد والمشقة ، فأخبر ـ عزوجل ـ أن هؤلاء أخسرهم أعمالا وأضلهم سعيا من الذين طلبوا الدنيا والرّئاسة فيها ، ولم يفعلوا ما فعل هؤلاء وإن كانوا في الكفر سواء.
والأخسر : هو الوصف بالخسران والنهاية والغاية ، وجائز أن يستعمل (أفعل) في
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ٢٩٢) ، والبغوي (٣ / ١٨٥).
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧١).