موضع (فعل) ، هذا في اللغة غير ممتنع ، فيكون تأويله : قل هل ننبئكم بالخاسرين أعمالا ، كقوله : الله أكبر ، أي : كبير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يحتمل وجهين :
أحدهما : (ضَلَ) : أي : ذلوا لعبادتهم التي عبدوا تلك الأوثان والأصنام ، وخذلوا أنفسهم بذلك ، وعلى ذلك يخرج قوله : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [التوبة : ٦٩] : أذلوا أنفسهم في الدنيا بعبادتهم الأصنام.
والثاني : (ضَلَّ سَعْيُهُمْ) الذي سعوا في الدنيا بعبادتهم الأصنام في الآخرة ؛ لأنهم قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، ونحوه ، فضلّ ما أمّلوا في الآخرة بسعيهم في الدنيا والآخرة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) وهم يحسبون بعبادتهم الأصنام التي عبدوها أنهم يحسنون بما أنفقوا على أولئك ووسعوا أنهم يحسنون صنعا ، أي : خيرا أو معروفا ، أي : ليس لهم ذلك بصنع للخير ، وفيه دلالة أنهم يؤاخذون بفعلهم الذي فعلوا ، وإن جهلوا الحق ، وهكذا قولنا : إن من فعل فعلا وهو جاهل ، فإنه يؤاخذ به بعد أن يكون له سبيل الوصول إلى الحق بالطلب أو بالتعلم ، حيث هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.
ثم أخبر من هم؟ فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) : حججه وبراهينه.
وقال الحسن : دينه ، وقد ذكرنا ذلك في غير موضع.
وقوله : (وَلِقائِهِ) البعث أو المصير إليه ، وهو مذكور أيضا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً).
أي : لا نقيم لهم وزنا ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ :
(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] فإذا لم تربح لهم [كانت] حسرات عليهم.
وقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) [النحل : ٢٥] ، هذا يدل أن قوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) ، قد يقام عليهم الوزن (١).
ثم أخبر ـ عزوجل ـ عن جزائهم ؛ فقال : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً).
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٥٧٤).