وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) أي : كان أمره كائنا ، وعلى التأويل الذي ذكره أبو بكر الأصم في قوله : (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) يكون قوله : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) أي : كان وعدا وخبرا معلوما على ما أخبر الأنبياء عن نبأ عيسى وأمّه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا).
دلّ هذا على أن الولاد لم يكن على إثر الحمل ، ولكن كان بين الولاد وبين الحمل وقت ، لكن لا يعلم كم ذلك الوقت إلا بخبر عن الله (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا).
قال بعضهم (٢) : تباعدت به ؛ حياء من أهلها.
وقال بعضهم : انفردت به مكانا قصيّا متباعدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) :
قال القتبي (٣) : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ) أي : جاء بها ، من المجيء ، وألجأها إليها ، يقول : جاءت بي الحاجة إليك ، وأجاءتني الحاجة. والمخاض : هو الحمل.
ودل قوله : (فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا) أن النخلة التي ألجأها المخاض إليها كانت يابسة ، على ما قاله أهل التأويل ؛ لأنه إنما انتبذت مكانا قصيّا وتباعدت حياء من أهلها ، فلو كانت تلك النخلة رطبة ذات ثمار ، لكان الناس يأوون إليها ويقيمون عندها ، فلا يحتمل أن تأوي إليها مريم وعندها يأوي الناس ، ثم التجاؤها إلى النخلة لتتساند إليها وتستعين بها على ما تقع الحاجة للنساء وقت الولادة إلى شيء يستعن به عما ينزل بهن من الشدة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا).
يحتمل أن يكون (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) ، أي : وكنت غير معروفة.
ويحتمل أن يكون ـ على ما ذكر ـ (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) : لا أذكر بعد الموت بذلك ، لأنه ذكر أنها كانت من أهل شرف وكرم ، ومن أهل بيت النبوة ، فتمنت أن تكون غير معروفة ؛ لئلا تذكر بسوء بعدها ولا بقذف.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ٣٨ ـ ٣٩).
(٢) انظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٣٢٢) ، والبغوي (٣ / ١٩٢).
(٣) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٣).