أحدهما : يحتمل أن يكون أراد بإهلاكه إياهم موتهم بآجالهم. يقول : هم كانوا عددا قليلا زمن نوح ، ثم كثروا حتى صاروا قرونا ، ثم ماتوا حتى لم يبق منهم أحد.
ويحتمل أن يكون الإهلاك ـ هاهنا ـ إهلاك استئصال : فهو يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه قد استووا في هذه الدنيا ـ أعني العدو والولي ـ وفي الحكمة : التمييز بينهما والتفريق ؛ فلا بد من دار يفرّق بينهما فيها ويميز.
والثاني : قد هلكوا جميعا ، وفي العقل والحكمة إنشاء الخلق للإفناء خاصّة بلا عاقبة تقصد ـ عبث باطل ؛ فدل أن هنالك دارا أخرى هي المقصودة حتى صار خلق هؤلاء حكمة ، وفيه إلزام البعث.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
تفسير قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ؛ كأنه قال : من كان يريد العاجلة ، وهو كافر بربه مكذب بالآخرة (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ، ومن كان يريد الآخرة ، وهو مؤمن بربه مصدق بالآخرة ، (وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ)(١) ، هذا يدل أنهم إنما أرادوا العاجلة بكفرهم بالآخرة ، ثم أخبر أن من أراد بعمله في الدنيا الآخرة ، ولها سعيها ما سعى ، وهو مؤمن بها.
(فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً).
أي : مجزيّا مقبولا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ).
أي : المؤمن والكافر يعطى هذا وهذا ، أي : لا نحرم عن العاجلة من أراد الآخرة ؛ يخبر أولئك الكفرة بكفرهم بالآخرة أنه ليس يعطي الدنيا وسعتها لمن يكفر بالآخرة ؛ ولكن يعطي من كفر بها ومن آمن بها ؛ لئلا يحملهم ذلك على حبهم الدنيا وطلب العز والشرف فيها ـ على كفرهم بالآخرة ؛ حيث قال : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) ، أي : يعطي المؤمن والكافر ، والبرّ والفاجر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً).
أي : [ما كان] رزق ربّك وفضله محظورا. قال بعضهم : محبوسا ممنوعا. وقال بعضهم : محظورا : منقوصا ؛ فهو في الآخرة ، أي : لا ينقصون في الآخرة من جزائهم ، وروى في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله يعطي الدّنيا على نيّة الآخرة ، ولا يعطي
__________________
(١) زاد في ب : لا يرائي فجزيا مقبولا ، السعي المشكور : هو الذي يجزى ويثاب عليه. وقوله ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها.