الآخرة على نيّة الدّنيا» (١).
وعن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان العبد همّه الآخرة كفى الله له من ضيعته ، وجعل غناءه في قلبه ، وإذا كان همّه الدّنيا أفشى الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ؛ فلا يمسي إلا فقيرا ، ولا يصبح إلا فقيرا» (٢).
وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) ؛ للعاجلة ـ (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ، وأما من كان يريد العاجلة ؛ للآخرة ـ فهو ليس بمذموم ؛ فهو ما ذكر في قوله : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) ، وهو ما قال : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ ...) الآية [هود : ١٥] ، وقوله : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ...) [الحديد : ٢٠].
وأمّا من أراد الحياة الدنيا ؛ لحياة الآخرة ـ فهو ليس بلعب و [لا] لهو ؛ لأن الدنيا لم تنشأ لنفسها ؛ إنما أنشئت للآخرة ؛ فمن رآها لها وأرادها لنفسها ـ فهو لعب ولهو ، ومن رآها للآخرة وأرادها للآخرة فهو ليس بلعب ولا لهو.
وقوله ـ عزوجل ـ : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).
في الدنيا في الرزق وفي الخلقة : يكون بعضهم أعمى ، وبعضهم بصيرا ، أو يكون أصمّ ويكون سميعا ، ونحوه ؛ فعلى ما يكون في الدنيا على التفاوت والتفاضل يكونون في الآخرة كذلك في المنزلة والقدر عند الله ، لا في الضيق والسعة والأحوال التي يكونون في الدنيا ؛ حيث قال : (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً).
ولم يقل : أكثر ولا أوسع ، دل أنه على القدر والمنزلة عند الله ، لا على اختلاف الأحوال التي يكونون في الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).
قد ذكرنا فيما تقدم أن النهي في مثل هذا والخطاب ـ لرسوله ، وإن كان غير موهوم ذلك منه ؛ للعصمة التي عصمه ؛ فإنّه غير مستحيل [في ذاته](٣) ؛ لما ذكرنا أن العصمة إنما
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في الزهد ص (١٩٣) ، وأبو يعلى في المسند ، كما في المطالب العالية (٣١١٧) ، عن أنس بن مالك.
(٢) أخرجه ابن عدي في الكامل (١ / ٢٨٥) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس فذكره.
وله طريق أخرى ، أخرجه الترمذي (٤ / ٢٥٢) ، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٦٥) ، ذكر العلامة الألباني في الصحيحة (٩٤٩) ، وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي الدرداء.
(٣) سقط في ب.