وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أي أدعو ربي عسى ألا أكون بعبادة غير الله شقيّا ، كما كان قومه بعبادة غير الله أشقياء.
والثاني : (أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي) إذا دعوته (شَقِيًّا) ، أي : خائبا مردود الدعاء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ) : اعتزال الدّار والمكان بالهجرة إلى الأرض المباركة التي ذكر أنه نجاه [إليها] ، واعتزل ـ أيضا ـ صنيعهم الذي كانوا يصنعون من عبادتهم غير الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ، وقال في آية أخرى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) ذكر الهبة ؛ لأن الولد هبة من الله تعالى ، خلقه على الإفضال منه والإنعام عليه ؛ لأنه يعطى لا عن حق كان لهم عليه ، فذلك فائدة ذكر الولد هبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) هو ظاهر ، وهب له ما ذكر ، ثم أخبر ـ عزوجل ـ أنه جعلهم أنبياء.
وقوله : (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) : اختلفوا فيه :
قال بعضهم (١) : الرحمة ـ هاهنا ـ : هي النبوة ، أي : وهبنا لهم النبوة.
وقال بعضهم (٢) : الرحمة : النعمة ، أي : من نعمته وهب لهم ما وهب من النبوة وغيرها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) اختلف فيه :
قال بعضهم : قوله : (لِسانَ صِدْقٍ) : هي الكتب التي أنزلها الله فيها أنباء صدقهم وفضلهم ، ومنزلتهم.
وقال بعضهم : (لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) هم أولادهم الذين جعلهم أنبياء [و] رسلا يذكرون ويعظون من بعدهم ؛ لأن جميع الأنبياء والرسل كانوا من نسل إبراهيم من لدنه إلى لدن محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فهم كانوا لسان صدق عليّا ، حيث يذكرون بكل خير وبكل بركة ويمن.
وقال بعضهم : (لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) هو ما آمن جميع أهل الأديان به ـ أعني : بإبراهيم ـ ودانوا به جميعا ، وعلى ذلك يخرج تخصيص إبراهيم وآله بالصلاة وبالبركة
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٣ / ١٩٨).
(٢) انظر : تفسير البغوي (٣ / ١٩٨).