فإن كان (مَلِيًّا) ، أي : بعيدا فهو على بعده منه ، أي : ابعد مني ، وتباعد مني داره ومقامه.
وإن كان على الدهر والطول فهو يخرج ، أي : لا تكلّمني أبدا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ) يحتمل أنه ليس على أن سلّم عليه ، ولكن كلمه بكلام السداد ، كقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣] هو أن يقولوا لهم كلام السداد ليس على أن يسلموا عليهم.
ويحتمل (سَلامٌ عَلَيْكَ) على حقيقة السلام المعروف ، لكنه يخرج على الإضمار ، أي : (سَلامٌ عَلَيْكَ) إذا أسلمت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) إذا أسلمت على نحو ما قلنا.
ويحتمل قوله : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) أي : أسأل ربي ليوفقك على السبب الذي تستوجب به الاستغفار ، وتكون أهلا للاستغفار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا).
قال بعضهم (١) : أي : برّا لطيفا.
وقال بعضهم (٢) : (حَفِيًّا) : عالما.
وقال بعضهم (٣) : إنه كان عودني الإجابة.
قال أبو عوسجة : الحفي : العالم بالأمر ، ويقال : حفى الرجل يحفي : إذا سار بلا نعل ولا خف ، وجمعه : حفاة ، واحتفى يحتفي : إذا اجتنى حشيشا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) :
الاعتزال ـ هاهنا ـ اعتزال هجرة إلى أرض الشام ، ومفارقته إياهم مفارقة المكان والدار ، كقوله : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ٧١] ، فقوله : (وَنَجَّيْناهُ) النجاة بالفراق منهم.
وقوله : (وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : وأعتزلكم وما تعبدون من دون الله أيضا ، ففيه إخبار عن اعتزاله عنهم بالدار والمكان ، وعن فعلهم أيضا ، اعتزلهم عن الأمرين جميعا.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٧٥٦) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٩١) ، وهو قول ابن زيد أيضا.
(٢) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٩٨).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٩١).