وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) ، هم لم يكونوا يعبدون الشيطان عند أنفسهم ، ولكن يحتمل إضافة عبادتهم إلى الشيطان وجوها :
أحدها : أن الأصنام التي عبدوها كانت لا تأمرهم بالعبادة ولا تدعوهم إليها ثم عبدوها ، فإنما عبدوها بأمر الشيطان وبدعائه إياهم ، فأضاف ذلك إليه للأمر الّذي كان منه بذلك.
والثاني : ذكر أن الشيطان كان ينطق من جوف الصنم ، فعبدوها لكلامه ، فكأنهم عبدوا الشيطان ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ).
قال بعضهم (١) : قوله : (إِنِّي أَخافُ) : أي : أعلم أنه يمسّك عذاب من الرحمن لو دمت على الكفر وختمت به ، فإن كان تأويله العلم فهو على هذا الشرط يخرج.
ويحتمل أن يكون الخوف في موضع الخوف ، أي : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) إن لم تنجز وعدك (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) أي : قرينا في العذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) ولا شك أنه كان راغبا عن عبادة آلهتهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) يحتمل وجوها :
أحدها : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن دينك الذي أنت عليه (لَأَرْجُمَنَّكَ) ، أي : لأقتلنّك.
والثاني : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن قذف آلهتنا وسبّها وذكرها بسوء (لَأَرْجُمَنَّكَ) ، أي : لأشتمنّك مكان شتمك وقذفك آلهتنا ، فالرجم يشتمل على هذه الوجوه الثلاثة : القتل ، والطرد ، والشتم ، فإن كان على القتل فهو مقابل الدين ، أي : لئن لم تنته عن دينك لأقتلنّك ، وإن كان على الطرد فهو مقابل الدعاء ، أي : لئن لم تنته عن دعائك إياي إلى ما تدعو لأطردنك ، وإن كان علي الشتم فهو مقابل الشتم ، أي : لئن لم تنته عن شتمك آلهتنا لأشتمنّك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا).
قال بعضهم (٢) : طويلا.
وقال بعضهم (٣) : دهرا.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ٣٤٧) ، والبغوي (٣ / ١٩٧).
(٢) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٧٤٥ ، ٢٣٧٤٦).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٧٤٢) وهو قول سعيد بن جبير وغيره.