وقال بعض أهل التأويل (١) : (أَضاعُوا الصَّلاةَ) ، إضاعتها : تأخيرها عن مواقيتها ، لا أن تركوها أصلا ، فهذا في أهل الإسلام إن ثبت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) ، أي : آثروا الشهوات على العبادات ، وجعلوا الشهوات هي المعتمدة دون العبادات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) :
قال بعضهم (٢) : الغى : واد في جهنم ، لكن هذا لا يجوز أن يقال إلا بالخبر عن رسول الله أنه قال : واد في جهنم.
وقال بعضهم (٣) : الغى : العذاب.
وقال بعضهم (٤) : الغى : الشر.
وجائز أن يكون سمى جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا بالغواية باسم أعمالهم : غيا ، ويجوز تسمية الجزاء باسم سببه ، كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ونحوه.
ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنْ تابَ) عن الشرك ، (وَآمَنَ) بالله (وَعَمِلَ صالِحاً).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ، يشبه أن يكون قوله : (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ، أي : لا ينقصون من حسناتهم التي عملوها في حال إيمانهم لمكان ما عملوا من الأعمال في حال كفرهم ، بل يبدل سيئاتهم حسنات على ما أخبر تعالى : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) ، وقال في آية [أخرى] : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] أخبر أنهم إذا آمنوا وانتهوا عن الشرك لا يؤاخذهم بما كان منهم في حال كفرهم ، والله أعلم.
ثم بيّن أية جنة ، فقال : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) ، ثم يحتمل إيمانهم بالغيب ، أي : بالله آمنوا به بالخبر وإن لم يروه ، ويحتمل الغيب : الجنة ، أي : صدقوا بها وإن لم يروها والنار والبعث بالغيب.
__________________
(١) قاله ابن مسعود ، أخرجه ابن جرير (٢٣٧٨٣) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٩٩) وهو قول القاسم بن مخيمرة وعمر بن عبد العزيز ومسروق.
(٢) قاله ابن مسعود ، أخرجه الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير (٢٣٧٩٢ ـ ٢٣٧٩٦) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٠) وهو قول عبد الله بن عمرو وعائشة والبراء وغيرهم.
(٣) ذكره البغوي (٣ / ٢٠١).
(٤) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٧٩٧).