وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي : كان موعوده آتيا ، ولكن ذكر (مَأْتِيًّا) ؛ لأن كل من أتاك فقد أتيته ، فسمّي لذلك ما أتيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) ، وقال في موضع آخر : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥ ، ٢٦] أي : لا يسمعون باطلا ، ولا ما يكره بعضهم من بعض ، ولا ما يأثم بعضهم بعضا إلا سلاما ، والسلام كأنه اسم كل خير وبركة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
قال الحسن (١) : إن أطيب العيش وأحبّه إلى العرب الغداء والعشاء ، فأخبرهم الله ـ عزوجل ـ أن لهم في الجنة الغداء والعشاء ، وأطيب العيش إلى العجم لباس الحرير واللؤلؤ ، فأعلمهم أن لهم في الجنة ذلك بقوله : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) [الحج : ٢٣].
ويقول أهل التأويل (٢) : ليس في الجنة بكرة ولا عشي ، ولا ليل ولا نهار ، ولكن يؤتون على ما يحبون من البكرة والعشي.
عن ابن عباس (٣) قال : على مقادير الليل والنهار.
ويشبه أن يكون قوله : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ليس على تخصيص وقت دون وقت ، ولكن الأوقات كلها في كل وقت يحبون ويشتهون ، كقوله : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) [الزخرف : ٧١] ، (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة : ٢٠].
ويخرج ذكر البكرة والعشي : أن زمان الجنة يكون مشبها البكرة من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومثل الوقت الذي يكون بعد غروب الشمس إلى أن يظلم ؛ لأنه أخبر أن ظله ممدود بقوله : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة : ٣٠].
ثم أخبر أن تلك الجنة التي ذكر أن فيها كذا هي (الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) يحتمل أن يكون وعد الجنة للبشر كلهم بشرائط شرط عليهم ، إن وفوا بها فلهم الجنة جميعا ، وإن لم يفوا بها فلا ، فمن وفى بشرائطه التي شرط يجعل الذي كان وعد للذي لم يف ـ إذا وفى ـ للذي وفي بذلك ، فهو الميراث الذي ذكر ، وعلى ذلك يخرج قوله :
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠١).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٣٨٠٣) وعبد بن حميد وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠١).
(٣) أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠١).