(أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ...) الآية [المؤمنون : ١٠ ، ١١] ، والوارث هو الباقى من المورث والخلف عن الميت.
وقوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) :
قال بعضهم (١) : الخلف ـ بالجزم ـ يستعمل في موضع الذم ، والخلف بالتحريك والنصب في موضع الحمد.
وقال بعضهم : هما سواء ، ويستعملان جميعا في موضع واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).
هذا الكلام منه لا يكون إلا عن سؤال كان منه ، كأنه قد كان استبطأ نزول جبريل عليه ، فعند ذلك قال له : إنا لا نتنزل إلا بأمر ربك.
ثم فيه أنه لم يقل ذلك له إلا بأمر الله ؛ لأن الله أخبر أنهم : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] : فلا يحتمل أن يقول له ذلك من تلقاء نفسه ؛ فيجعل ذلك آية في كتاب الله تتلى.
قوله ـ عزوجل ـ : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ).
كأن هذا الكلام موصول بقوله : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) ؛ لأنهما جميعا كانا يعلمان أن له ما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك ؛ فدل ذلك أنه موصول بالأوّل ، وجهة الصلة بالأوّل هو أن يقال : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) ، لا نتقدم إلا بأمره ، ولا نتأخر ولا نعمل شيئا إلّا بأمره ، وهو كقوله : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات : ١].
وأمّا غيره من أهل التأويل اختلفوا فيه :
[قال بعضهم] : قوله (٢) : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) : هو الآخرة ، (وَما خَلْفَنا) : ما مضى من الدنيا ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) : الحال التي نحن فيها.
وقال بعضهم (٣) : قوله : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) : الدنيا ، (وَما خَلْفَنا) : الآخرة ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) : ما بين النفختين ، وأمثال هذا ، لكن الذي ذكرنا بدءا أولى وأشبه ؛ إذ هو على الصلة بالأوّل ؛ إذ لا يتقدم ولا يتأخر ولا يعمل شيئا إلا بأمره ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٢٠١).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن مردويه عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٢) ، وهو قول عكرمة والربيع وأبي العالية.
(٣) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٣٨١٦ ، ٢٣٨١٧) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٢) ، وهو قول ابن عباس والضحاك.