الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا)(٧٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) قد ذكرناه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) : كأن هذا القول من الكفرة خرج جواب ما احتج عليهم أهل الإيمان بالآيات التي ذكروا حجابا عليهم ، فيقولون : إنكم تقولون : إن الدنيا والآخرة لله ، فقد وسع علينا الدنيا وضيق عليكم ، فعلى ذلك يوسع الآخرة علينا ويضيق عليكم كما فعل في الدنيا ؛ إذ لا يجوز أن يوالينا في الدنيا ويعادينا في الآخرة ، وعلى هذا قولهم : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥] ، فظنوا أنه لما وسع عليهم وأحسن بهم الندى والمجلس كذلك يكونون في الآخرة ، فأكذبهم الله ، وردّ عليهم ذلك فقال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً). أخبرهم بما عرفوا هم أنهم كانوا أهل السعة والزينة ، ثم أهلكوا بتكذيبهم الرسل وعصيانهم ربهم ، فلو كان ما ذكر هؤلاء الكفرة لكانوا لا يهلكون ؛ فيلزمهم بما ذكر أن من وسع عليه الدنيا وضيق عليه الآخرة إنما يكون بحق المحنة ، لا بحق المنزلة والقدر ، وأمّا الثواب والجزاء فهو بحق القدر والمنزلة والخذلان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَثاثاً) قيل : المتاع والمال ، (وَرِءْياً) أي : منظرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ، أي : خيرا وسعة في الدنيا ، (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ) هو العذاب والهلاك الذي وعدهم رسول الله في الدنيا ، (وَإِمَّا السَّاعَةَ) القيامة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) :
هذا يدل أن قولهم : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) أرادوا : الخدم والحواشي ، حيث قال : (وَأَضْعَفُ جُنْداً).
قال أبو عوسجة : (حَتْماً مَقْضِيًّا) أي : واجبا ، (نَدِيًّا) أي : مجلسا ، وأندية : جمع ، والأثاث : المتاع ، (وَرِءْياً) منظرا ، (وَنَمُدُّ لَهُ) أي : نطيل عذابه.
وقال القتبي (١) : (نَدِيًّا) مجلسا ، يقال للمجلس : ندي وناد ، ومنه قيل : دار الندوة التي كان المشركون يجلسون ويتشاورون بها في رسول الله ، والأثاث : المتاع ، والرئي : المنظر ، والبشارة ، والهيئة.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٥).