وقوله : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ، أي : يمد له في ضلالته ، (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) ، أي : نرثه المال والولد الّذى قال : (لَأُوتَيَنَ).
وقوله : (وَيَأْتِينا فَرْداً) لا شيء معه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) :
جميع ما ذكر الله ـ عزوجل ـ من زيادة الهداية وابتداء الهداية فهو إنما يزيد له الهداية ويهديه ابتداء إذا كان من العبد رغبة في ذلك وبغية وطلب ، [و] إذا كان مهتديا يزيد له الثبات على ما كان عليه في وقت رغبته وطلبه منه.
أو إن لم يكن مهتديا يهده ابتداء هداية في وقت رغبته وقبوله ، على هذا يخرج عندنا ما ذكر بحق الزيادة أو بحق الابتداء.
ويحتمل قوله : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) ، أي : يوفقهم ـ إذا اهتدوا وعرفوا وحدانية الله ـ لأنواع الخيرات والطاعات.
وقالت المعتزلة : البيان ، وهي هداية عامة ، والهداية الثانية [شرح] الصدر لها والتوفيق ، وهي هداية خاصّة تكون في وقت ثان بحق الثواب ، فعلى زعمهم يجيء ألا يكفر أحد بعد ما هداه الله مرة أبدا ؛ لأنهم يقولون : إذا اهتدوا وقبلوا هدايته مرة ، يوفقه ويشرح صدره في الوقت الثاني ، فهو أبدا يكون على الهداية والإيمان ، فإذا وجد عن كثير ممن اهتدوا مرة الكفر من بعد ، دلّ أن تأويلهم فاسد ، وأن التأويل ما ذكرنا نحن : أنه يزيد لهم الهداية وقت رغبتهم وطلبهم الهداية إن كان بحق الزيادة أو بحق الابتداء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا).
يحتمل (وَالْباقِياتُ) : الأمور الباقيات التي لها البقاء ، أي : ما يبقى لكم عند الله خير مما يبطل ؛ لأن الله تعالى وصف الحق والخير بالبقاء والمكث ، ووصف الباطل بالذهاب والتلاشى بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ ...) الآية [الرعد : ١٧] ، وقال في آية : (مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً ...) الآية [إبراهيم : ٢٤] ، وقال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ...) الآية [إبراهيم : ٢٦] ، وقال في آية : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء : ٨١] أي : ذاهبا.
فيشبه أن يكون قوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ) ، أي : الأعمال التي لها البقاء خير لكم عند الله ثوابا من التي ليس لها البقاء.
ويحتمل (وَالْباقِياتُ) ، أي : ما أبقى الله لكم في الآخرة من الثواب خير لكم مما أعطى لكم في الدنيا ؛ لأن هذا فان وذاك باق ، والله أعلم.