لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ؛ طمعوا بعبادتهم النصر والشفاعة في الآخرة.
وأمّا في الدنيا ظنوا أنّ آلهتهم التي عبدوها ينصرونهم في الدنيا ، حيث قالوا : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤] ، فكيفما كان فقد رد الله عليهم ما طمعوا منها ـ عزّا كان أو نصرا ـ بقوله : (كَلَّا) ؛ لأنهم أذلّوا أنفسهم لخشب ، وحنوا ظهورهم لها ، فكفى بذلك ذلّا وصغارا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) :
قال الحسن : سيكفر عبّاد الأصنام في الدنيا بمن عبدوه في الآخرة أنهم ما كفروا وما عبدوها ، كقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ، ينكرون في الآخرة أن يكونوا أشركوا معه غيره أو عبدوا دونه.
وقال غيره من أهل التأويل : سيكفر المعبودون بالعابدين لهم ، ويتبرءون منهم ، وهو كقوله : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) [يونس : ٢٨] ، وقوله : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) [النمل : ٨٦] ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) :
قال بعضهم (١) : (ضِدًّا) ، أي : عونا ، وتأويل العون : هو أن يلقى تلك الأصنام معهم في النار ، فيحرقون فيها معهم ، فيزداد لهم عذابا ؛ فكانت على إحراقهم ، وعلى هذا يخرج.
وقول من يقول : الضدّ : البلاء ، أي : يكونون بلاء عليهم على ما ذكرنا وهو ما قال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ...) الآية [الأنبياء : ٩٨] ، فإذا صاروا حصبا كانوا بلاء وعونا على إحراقهم.
وقال بعضهم (٢) : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) : أي : قرناء في النار بعضهم بعضا ، ويتبرأ بعضهم من بعض ، ويخاصم بعضهم بعضا ، ويكذب بعضهم بعضا ؛ فذلك كلّه ضد عليهم ، ضدّ ما طمعوا منها ؛ لأنهم عبدوها في الدّنيا رجاء أن يكونوا لهم شفعاء في الآخرة ونصراء ، فكانوا لهم على ضدّ ذلك أعداء.
وقال ابن عبّاس (٣) : يكونون ضدّا : أي : حسرة ، وكلّه واحد.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٩١٢) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٦) وهو قول مجاهد.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٩١٥) ، وهو قول قتادة.
(٣) أخرجه عبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٦).