وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) :
قال بعضهم (١) : (أَرْسَلْنَا) : أي : سلّطنا عليهم ، كقوله : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) [النمل : ١٠٠].
وقال بعضهم : (أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ) : أي : قيضناهم بهم ، كقوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) [الزخرف : ٣٦] فهما في الحقيقة واحد ؛ لأنه إذا أرسلهم اتصلوا بهم ، فإذا اتصلوا بهم قيضوا وقرنوا بعضهم ببعض.
وقال الحسن ، وأبو بكر الأصم ، وغيرهما : (أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) : أي : خلينا بينهم وبينهم ، ولم نمنعهم منهم [على] ما ذكر.
لكن لو كان تأويل الإرسال التخلية وتأويل القيض كذلك ، لم يكن لتخصيص الكفار بذلك معنى ؛ إذ قد كان ذلك القدر من التخلية بينهم وبين المسلمين.
[و] إن كان تأويل التخلية : أنه لم يمنعهم عنهم ، وخلى بينهم ـ فدلّ تخصيص الكفار بهذا وأمثاله [على أن] ليس هو التخلية لا غير ، وأن تخصيص هؤلاء بهذا وأمثاله من قوله : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٩٣](وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) [الأنعام : ٢٥] ، ونحوه ، وإن كان هنالك من الله معنى في الكفار ليس ذلك في المؤمنين ، وفي المؤمنين معنى ليس ذلك في الكافرين ، وهو ـ والله أعلم ـ إذا علم في المؤمنين الرغبة والإجابة ، وفقهم على ذلك وهداهم ، وإذا علم من الكفار خلاف ذلك وضدّه خذلهم وأضلّهم ، فذلك تخصيصه إياهم بما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) :
قال بعضهم (٢) : تزعجهم إزعاجا.
وقال بعضهم (٣) : تشليهم إشلاء وتغريهم إغراء.
وقال الحسن (٤) : تحركهم تحريكا.
وقال بعضهم : تقدمهم إقداما إلى الشر.
وقال بعضهم : توقعهم إيقاعا ، ونحوه ، وكله واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) ، أي : لا تكافئهم على أذاهم إياك ، ولا
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٢٠٨).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٣٩٢٤ ـ ٢٣٩٢٦) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٧).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٧) ، وهو قول ابن زيد.
(٤) وهو قول ابن جرير (٨ / ٣٧٩).