فكيف من دونهم؟ فيكون إضافته إياهم إلى نفسه ؛ لعظم قدر أولئك وفضل منزلتهم كقوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] والله لا ينصر ، ولكن إن تنصروا دين الله ينصركم ، أو إن تنصروا أولياء الله ينصركم ، وكذلك قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) [البقرة : ٩] والله لا يخادع ، ولكن يخادعون أولياءه ونحوه ؛ فعلى ذلك قوله : أخفيها من نفسى : أي : من خواصي وأخيار عبادي ، والله أعلم.
هذا على إسقاط قوله : (أَكادُ) وجعله صلة ، وأما على إثبات (أَكادُ) فهو على وجهين.
أحدهما : يقال : كاد : أراد ، أي : أريد أخفيها ، وهو معروف باللّغة.
والثاني : كاد ، يقال : قارب ، وهو سائغ في اللغة ، جار (كاد) على إرادة مقاربة : كادت الشمس أن تطلع ، أو تغرب ، أي : قاربت وكدت أن أسقط ، أي : قاربت ، وإلا لا يريد السقوط ، إذا كان على هذا فهو قال ذلك ـ والله أعلم ـ على التعظيم لها ، أي : قارب أن يخفيها من نفسه فكيف من غيره؟!.
وقال ابن عباس قريبا من هذا (١) ، أي : أكاد أخفيها من نفسي فكيف أعلنها لكم؟! أي : لا أظهر عليها أبدا غيري ، فكأنه استجاز الإخفاء في موضع الإظهار باللغة ، نحو ما قالوا في قوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) [يونس : ٥٤] أي : أظهروا ، فعلى ما كان الإسرار في موضع الإظهار والكتمان ، فعلى ذلك رأوا الإخفاء مستعملا في الأمرين جميعا ، وكذلك قال أبو عوسجة : (أُخْفِيها) ، أي : أظهرها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) ، أي : لهذا ما أخفيها (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) ؛ لأنها لو كانت ظاهرة يعاينها كل أحد ، ويعلمها ، لما كان ذلك جزاء ، ولكن كان دفعا ؛ لأنه يعاين كل إنسان ما نزل بهذه النفس بما سعت من العذاب فيمتنع هو عنه ، وإذا رأى كل أحد ثواب هذا بسعيه يرغب في مثله ؛ فيكون ذلك كله بحق الدفع ، لا بحق الجزاء ، فأخبر أنه أخفاها ؛ للجزاء والمحنة ، لا للدفع ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) ، أي : عن الإيمان بها (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) يعني : السّاعة ، والله أعلم.
لا يصدنك عنها بأسباب ألقاها إليك ، وقد يمتنع الإنسان عن الشيء بأسباب تعترض وشبه تستقبل ، وإن لم يقدر على منعه بالتصريح والإفصاح ، والله أعلم ، أي : لا يصدنك
__________________
(١) أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٢٥).