عن الإيمان بها ـ يعني : الساعة ـ من لا يؤمن بها واتبع هواه في التكذيب بها بالشبه والأسباب التي ذكرنا (فَتَرْدى) أي : فتهلك لو صدّك عنها ، فالخطاب وإن كان لرسول الله فهو لكل أحد من المؤمنين ، على ما ذكرنا في غير آي من القرآن فيما خاطب رسوله به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى. قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ...) الآية كأن موسى ـ صلوات الله عليه ـ لم يفهم مراده بسؤاله إياه أنه ما أراد بقوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) : أنه يسأله عن اسمها [أو] عما له فيها؟ فأجاب الأمرين جميعا عن اسمها وعما له فيها ، حيث قال : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى).
ثم قال الحسن : إنه والله كان يعلم أنّ في يده عصا ، لكنّه أراد أن يقرر عنده : أنها عصا لا حيّة ؛ ليرى له منها آية فيعلم ذلك.
أو أن يريد بذلك تنبيهه وإيقاظه ؛ ليعلم أنه وقت ما أخذها عصا ، فيعلم أنها إنما صارت كذا بالآية التي جعلها له لا أنها كانت يومئذ كذلك حية ، والله أعلم.
(قالَ أَلْقِها يا مُوسى * فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) ثم يحتمل : جعلها حيّة تسعى ، ثم جعلها حيّة ، وأراد الآية له منها ؛ لما أن قوم فرعون كانوا أهل بصر وحذق في ذلك النوع من السحر ، فأحب أن يريهم الآية والعلامة من النوع الذي كان لهم فيه بصر وحذاقة ؛ ليعلموا بخروجها عن وسعهم وطوقهم أنها آية وعلامة سماوية وربوبية لا بشرية ؛ إذ الأعلام التي جعلها آيات وأعلاما لرسله على رسالتهم إنما جعلها ما كانت خارجة عن وسع البشر وطوقهم ؛ ليعلموا بذلك أنها سماوية ربوبية ، لا بشرية سحرا ولا كهانة (١) ، والله أعلم.
ثم قوله : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) على ما كانت في الحالة الأولى عصا ، كأن موسى خاف حين صارت حيّة ، وهو ما قال في آية أخرى : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) [النمل : ١٠] فعند ذلك قال له : (خُذْها وَلا تَخَفْ) ، وأخبره أنه يعيدها عصا على ما كانت ، والله أعلم.
وفي قوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) دلالة أن العصا إنما تمسك باليد اليمنى.
قال أبو عوسجة : (فَتَرْدى) ، أي : تهلك أرداه : أهلكه ، ويقال : تردى الرجل : إذا
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ٢١٥ ، ٢١٦).