قريبا منه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) أي : الغالب ، فإن كان الخوف الذي ذكر خوف طبع وما جبل عليه المرء ، فيكون قوله : (لا تَخَفْ) على تسكين القلب وتثبيته ، وإن كان الثاني فهو على البشارة له ، والإخبار على ألا يمنع سحر أولئك عن أن يبصروا ما تأتي به أنت من الآية ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) هذا يدل أن سحر أولئك إنما صار بعد ما ألقوا ما في أيديهم ، لم يكن سحرا وقت كونه في أيديهم ، وكذلك عصا موسى إنما صارت آية وحجة بعد ما ألقاها من يده لم تكن وقت كونها في يده ، وكذلك حيث قال : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) ، أي : تلقم وتأكل ما صنعوا (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) أي : لا يفلح الساحر حيث أتى بسحره ، وإلا قد أفلح سحرة فرعون ، وفي حرف ابن مسعود : أين أتى.
وقال بعضهم : حيث كان. وحيث وحوث لغتان ، وهو قول الكسائي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) ؛ لأنهم عرفوا حقيقة ما أتى به موسى ، فعلموا أنه سماوى وأنه آية ليس بسحر ، فآمنوا إيمانا لم يرتابوا فيه قط ، وهذا يدل أن كل ذي بصر وعلم في شيء يكون أبصر وأعلم في ذلك الشيء من غيره ؛ حيث لم ينظروا لما رأوا ما أتى به موسى وعاينوا وقتا ينظروا فيه ، بل لسرعة معرفتهم ، لم يملكوا أنفسهم ، بل ألقوا على وجوههم على ما أخبر ؛ حيث قال : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) [الشعراء : ٤٦] و (سُجَّداً).
وقال القتبي (١) : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) : أي : أضمر خوفا.
وقال غيره : وقع في قلبه حيث أنّى كان.
وقال أبو عوسجة : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) ، أي : يظن ، يقول : يخيل إلى ، أي : يريني فهمي وعلمي أن هذا الشيء كذا وكذا ، (فَأَوْجَسَ) أي : أحس. (تَلْقَفْ) وتلقم : واحد.
وقوله تعالى : (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ).
قال بعضهم : يعني : موسى.
وقال بعضهم : كبير السحرة الذي علم غيره السحر.
وقال في آية أخرى : (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها ...) الآية [الأعراف : ١٢٣] ، قد علم اللعين أن ذلك ليس بسحر ولا مكر مكروا به ، لكنه أراد أن
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٠).