لعبا ؛ كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] ، صير عدم الرجوع إليه [بعد] خلقهم عبثا باطلا.
وقال الحسن : لم يخلقهما عبثا ، ولكن خلقهما لحكمة من نظر إليهما دلّاه على وحدانية منشئهما وسلطانه وقدرته وحكمته وعلى علمه وتدبيره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا).
قال بعضهم (١) : (لَهْواً) أي : زوجة ، لكن هذا بعيد ؛ لأنه احتج عليهم على نفي الولد بنفي الصاحبة بقوله : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) [الأنعام : ١٠١] ، فلو لا أنهم أقروا وعرفوا أن لا صاحبة له ، وإلا لم يكن للاحتجاج عليهم على نفي [الولد] بنفي الصاحبة معنى ، ويكون قوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) أي : ولدا ؛ لأن الناس يتلهون بالولد فسماه : لهوا لذلك ، قال : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) بحيث لا تبلغه أفهامكم ولا يدركه علمكم ؛ لأن الولد يكون من جنس الوالدين ومن شكلهما ، وسبيل معرفته وعلمه الاستدلال الحسي ، فإذا لم يعرفوه هو بالحسي فكيف يعرفون من هو يكون منه لو كان؟!
والثاني : أن الغائب إنما يعرف بالاستدلال بالشاهد ، فلو كان له الولد على ما تزعمون لكان لا يعرف ؛ لأنه لا صنع للولد في الشاهد ، إذ هو الواحد المتفرد بإنشاء العالم ، فيذهب معرفة الولد إدراكه لو كان على ما تزعمون.
وقوله : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) ، ليس على أنه يحتمل أن يكون له الولد ، أو أن يحتمل أن يتخذ ولدا ، ولكن لو احتمل أن يكون لم يحتمل أن يدرك ويعلم ، وكذلك يخرج قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] ليس أنه يحتمل أن يكون فيهما آلهة ، ولكن لو احتمل أن يكون فيهما آلهة لفسدتا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ).
يشبه أن يكون الحق الذي أخبر أنه يقذف على الباطل القرآن الذي أنزله على رسوله أو الرسول نفسه ، أو الآيات التي جعلها لوحدانيته أو ألوهيته.
(فَيَدْمَغُهُ) ، أي : يبطل ذلك الذي قالوا في الله ما قالوا من الولد والصاحبة وغيره مما لا يليق به.
(فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ، أي : هو ذاهب متلاش.
__________________
(١) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير (٢٤٥٠٥) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٦٥) ، وهو قول مجاهد وقتادة وإبراهيم وغيرهم.