وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) : من الولد والصاحبة وجميع ما وصفوه مما لا يليق به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، كأنه ذكر هذا جوابا لقولهم ، وردّا على وصفهم إياه بالذي وصفوه ، فقال : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له من في السموات والأرض كلهم عبيده وإماؤه ، ولا أحد في الشاهد يتخذ لنفسه ولدا من عبيده وإمائه ، فإذا لم تروا هذا في الخلق أنفا من ذلك واستنكافا ، فكيف قلتم ذلك في الله سبحانه وتعالى ، وأضفتم إليه.
أو أن يخبر غناه عن الخلق بأن له من في السموات والأرض والولد في الشاهد إنما يطلب لحاجة تسبق ، فإذا كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ غنيّا بذاته بما ذكر أن له كذا لا حاجة تقع له إلى الولد ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ).
يشبه أن يكون ذكر هذا لقولهم : «الملائكة بنات الله» ، فأخبر أنهم ليسوا كما وصفوهم ولكنهم عبيد لي ، هم لا يستريحون عن عبادتي ولا يفترون.
أو أن يكون ذكر هذا لمكان من عبد الملائكة واتخذهم آلهة دونه ، فأخبر أنهم لا يستكبرون عن عبادتي ولا يفترون ، ولم يدعوا هم الألوهية لأنفسهم ، فكيف نسبتم الألوهية إليهم وعبدتموهم دوني؟ أو أن يكون قال ذلك : إنكم إن استكبرتم عن عبادتي ، فلم يستكبر عنها من هو أرفع منزلة وأعظم قدرا منكم ، (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) ينزهون الله ويبرءونه عما وصفه الملحدة من الولد وجميع ما قالوا فيه مما لا يليق به (١).
وهذه الآية تنقض قول المعتزلة ومذهبهم حيث قالوا : إن الأعمال لأنفسها متعبة منصبة ، ولو كانت الأفعال لأنفسها متعبة على ما ذكروا ، لكان البشر والملائكة فيها شرعا سواء ، فلما أخبر عنهم أنهم لا يعيون ولا يفترون ولا تتعبهم العبادة ؛ دل أنها صارت متعبة لصنع غير فيها لا لأنفسها ، وهذه المسألة في خلق أفعال العباد : هم ينكرون خلقها ، ونحن نقول : هي خلق الله ـ عزوجل ـ كسب للعباد ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع كلاما كافيا.
قال أبو عوسجة : (فَيَدْمَغُهُ) أي : يبطله.
وقال غيره (٢) : يهلكه ، وهو من قولك : ضربت الرجل فدمغته : إذا وصلت الضربة إلى
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ٤٦٥ ، ٤٦٦).
(٢) قاله ابن جرير (٨ / ١٢) والبغوي (٣ / ٢٤٠).