وهو الشكر لله ، وجعل العبادة له وشكر الوالدين ؛ جزاء لما كان منهما إليه ، وقد ذكرنا أن ذلك فرض لازم ؛ فعلى ذلك صلة هؤلاء ؛ إذ صلتهم فريضة ؛ لما جاء من المواعيد الشديدة في قطع الرحم ، والترغيب في صلتهم.
ومنهم من قال : ذلك الحق نفل ؛ ألا ترى أنه قال : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) ، (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] ، وقال : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) [الإسراء : ٢٨] ، فلا يحتمل ما ذكر من الإعراض عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها في الفرض ، دل أنّه في النفل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).
قال بعضهم (١) : التبذير والإسراف : واحد ، وهو المجاوزة عن الحدّ الذي جعل في الإنفاق والحقوق ، والمجاوزة : عن المحق ، إلى غير (٢) المحق.
روي عن ابن مسعود (٣) أنه سئل عن التبذير ؛ فقال : إنفاق المال في غير حقه. وكذلك قول ابن عباس (٤) ، رضي الله عنه.
وقال بعضهم : التبذير هو الإنفاق فيما لا ينتفع به. ويحتمل ما ذكرنا أنه يترك الإنفاق على المحق وهم ذوو القربى ، وينفق على الأجنبيين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).
أي : كانوا أولياء الشياطين.
(وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً).
أي : كفورا لنعم ربه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها).
عن الحسن قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يسأل فيقول : «ما لآل محمد ـ وإنّهم لتسعة أهل أبيات ـ إلا صاع من طعام» (٥) فأنزل الله تعالى : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ، أي : عدهم أن
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٢٥٤).
(٢) في أ : وغير.
(٣) أخرجه الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير (٢٢٢٤٤) ، (٢٢٢٥٠) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٢٠).
(٤) أخرجه سعيد بن منصور والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير (٢٢٢٥٢) و (٢٢٢٥٣) والبيهقي في شعب الإيمان ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٢٠).
(٥) لم أجده مرسلا ، وهو موصول من حديث أنس.
أخرجه البخاري (٥ / ٢٢) ، كتاب البيوع باب شراء النبي بالنسيئة (٢٠٦٩) ، والترمذي (٢ / ـ