موضع الاحتجاج عليهم ، وهو ما أخبر عن عجزهم حيث قال : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي : لا يستطيع الآلهة نصر أنفسها إذا أرادوا بها سوءا ، (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي : ينصرون ، تأويله : أن كيف عبدتم من دونه واتخذتموهم آلهة رجاء شفاعتهم ووسيلتهم حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ونحوه ، وفي قولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، فإذا كانوا لا يملكون نصر أنفسهم إن أصابها سوء ولا يصحبها من يدفع عنها السوء ، فكيف اتخذتم آلهة دونه ، فمن كان عن دفع السوء عن نفسه ونصرها عاجزا ، فهو عن دفعه عن الآخر ونصره أعجز.
ثم بين الذي حملهم على ذلك وهو ما قال : (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) ، ولم يأخذهم بالعقوبة بأعمالهم التي عملوها [فظنوا] أن الله راض عنهم وأنهم على الحق ؛ ولهذا قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٢] ادعوا رضاء الله بما هم عليه وآباؤهم.
ثم بين أنه وإن تركهم وقتا طويلا ومتعهم عليه أنه قد نقص عما كانوا يملكون هم ؛ حيث غلب عليهم رسول الله على بعض أملاكهم وجعله ملكا للمسلمين وهو قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) ، وجعلناها ملكا للمسلمين.
ثم اختلف في تأويل هذا ؛ قال الحسن : قوله : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي : اعلموا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ، أي : نحشرهم يوم القيامة من أطراف الأرض إلى المحشر ، فذلك نقصها.
وقال غيره (١) : أفلا يرون أن رسول الله كلما بعث إلى أرض ظهر عليها ، قال : ننقصها بالظهور عليها أرضا فأرضا ، (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) ، أي : ليسوا هم الغالبين ، ولكن رسول الله هو الغالب عليهم.
وقال ابن عباس (٢) : ننقصها : ذهاب فقهائها وخيار أهلها.
وقال قتادة : ننقصها بالحرث ، وكذلك قال عكرمة (٣) : ننقصها من أطرافها بالموت ، وقال : لو كانت الأرض تنقص لم يوجد للرجل مجلس يجلس فيه ، ونحو هذا قد قالوا فيه.
__________________
(١) قاله الحسن ، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٧٤).
(٢) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٢٦).
(٣) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ١٢٦ ، ١٢٧).