وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ).
هذا ـ والله أعلم ـ يخرج على وجهين :
أحدهما : خرج جوابا لقولهم : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [الشعراء : ١٥٤] أنهم كانوا ينكرون رسالته ويقولون : إنه بشر كيف خص هو به؟ فيقول : إني لست أنذركم لأني بشر ، ولكن إنما أنذركم بالوحي من الله ، وأنتم ممن لا تقلبون بشارة ربي ونذارته.
والثاني : قال ذلك لما تقدم منه في الآيات النذارة المرسلة غير مضافة إلى الله ، فأمره أن يقول لهم : إني فيما أنذركم من النذارات ، لم أنذركم من ذات نفسي ، ولكن إنما أنذركم بالوحي من ربي ، فمعناه ـ والله أعلم ـ أي : فيما أنذرتكم مما نزل بالأمم المتقدمة والأنباء التي أخبرتكم عنها مما لم أشهدها ولا أنتم ، بل إنما أنذركم بالوحي ، فذلك موضع الاحتجاج عليهم في إثبات رسالته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ).
هذا ـ والله أعلم ـ يقول : إن الأصم إذا أريد أن يدفع عن المهالك لا سبيل أن يدفع عنها ويكف بالدعاء والنداء ، ولكن إنما يكف ويدفع عن المهالك بالأيدى والراحات ، كأنه قال ذلك لما أكثر دعاءهم إلى ما به نجاتهم فأبوا ذلك ولم يجيبوه ، فقال عند ذلك : إنكم لا تسمعون الدعاء والنداء إلى ما به نجاتكم ، ولكن تعرفون ذلك بالقتل والسيف.
أو أن يقول ذلك : إنكم صم عن الحق حتى لا تسمعونه كالأصم بالسمع ، والأصم بالسمع لا يدعى ولا ينادى ؛ لأنه لا يسمع ، ولكن يدعى باليد والإشارة ، فعلى ذلك أنتم صم عن الحق لا تدعون بالنداء ، ولكن بالذي يعرف الدعاء وهو اليد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ).
قال الحسن : (نَفْحَةٌ) أي : طائفة من عذاب ربك.
وقال بعضهم : نقمة من ربك.
وقال بعضهم (١) : عقوبة ربك ، وأصل النفحة : الرمية ؛ ولذلك سمي نفحة الدابة : أي رميها ، وهو ما ذكر من رمي الشرر ؛ كقوله : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) [المرسلات : ٣٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ).
فى ظاهر الآية أن الموازين هي القسط ، والقسط هو العدل ؛ لأنه قال : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) ؛ فكأنه قال : ونضع الموازين التي توضع في الدنيا ويعرف بها حقوق الناس في
__________________
(١) قاله قتادة ، وأخرجه ابن جرير (٢٤٦٠٨) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٧٤).