هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ).
اختلف في هذا :
قال بعضهم (١) : هذا القول من إبراهيم كذب في الظاهر فيما أراد أن يكيد لهم ، وإن لم يكن في الحقيقة عنده كذبا ، وكذلك ما قال : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] ، وكان صحيحا ، وقوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٧] ومثل هذا قالوا : هذا في الظاهر كذب ، وإن لم يرد هو به في الحقيقة كذبا.
وقال بعضهم : إنه إنما قال ذلك على أن يريهم من نفسه الموافقة لهم في الظاهر ؛ ليكونوا للحجج أسمع وللبراهين أقبل ، فيكون تأويله ـ والله أعلم ـ : لعل كبيرهم فعل بهم هذا.
أو أن يقول : أكبر فعل هذا بهم وكذلك قالوا في قوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٧].
قال بعضهم : ليس هذا ولا فيه كذب في الظاهر ، ولكن قال ذلك على الشرط حيث قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) أي : بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون ، علق فعله بشرط النطق ، فإذا كانوا لا ينطقون (٢) لم يجيء منه.
وقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] ، أي : سأسقم وكل حى يسقم يوما ، وقوله : (هذا رَبِّي) ، أي : ليس هذا ربي ومثل هذا قد قالوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ).
أي : رجعوا إلى أنفسهم باللائمة ، فقالوا فيما بينهم : (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) هذا يحتمل وجوها :
إنكم أنتم الظالمون حيث نسبتم الفعل بهذه الأصنام والكسر إلى إبراهيم وقلتم : إنه فعل ذلك بهم ، وإنما فعل بهم هذا كبيرهم ؛ لما وقع عندهم أن كبيرهم هو الذي فعل بهم.
والثاني : إنكم أنتم الظالمون حيث اتخذتم مع كبيرهم آخرين شركاء في العبادة حتى غضب عليهم فكسرهم.
أو أن يكون قوله : (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) يعنون الأصنام المكسورة : يا هؤلاء (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ) ؛ حيث حملتم الكبير على تكسيركم ، والله أعلم بما أرادوا بذلك ، ولا يجوز لنا أن نزيد أو ننقص في هذه الأنباء المذكورة في الكتاب ، أو نقطع على جهة دون جهة ؛ لأنها ذكرت ليحتج عليهم بما في كتبهم ، فلو زيد أو نقص [أو] قطع على جهة دون
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٤٠) والبغوي (٣ / ٢٤٩).
(٢) ينظر : اللباب (١٣ / ٥٣٣ ، ٥٣٤).