اردد عليهم ردّا حسنا ؛ ليقع عندهم أن الإعراض لما ليس عنده شيء لا لوجه آخر والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ).
فى الإنفاق إذا كان عندك.
(وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ).
فيلومك من رجاك ؛ ولكن كما (١) قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ...)
الآية [الفرقان : ٦٧] أمر الله أن ينفقوا نفقة ليس فيها سرف ولا إقتار ، وهو قول ابن عباس (٢) ـ رضى الله عنه ـ وغيره.
وقال بعضهم : لا تمسك عن النفقة فيما أمرك ربك به من (٣) الحق ، ولا تبسطها كل البسط فيما نهاك عنه ؛ فتقعد كذا.
وقال بعضهم (٤) : هذا نهي عن البخل والسّرف ، فلئن كان هذا نهيا عن البخل كان قوله : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) نهيا عن الجود ، ولا يحتمل أن ينهى أحد عن البخل والجود ؛ لأنهما غريزتان طبعيّتان ، ولا ينهى أحد عما كان سبيله الطبع والغريزة ، ولكن ما ذكرنا ـ والله أعلم ـ من كف اليد وقبضها عن الإنفاق في الحق و [ذي] الحق ، وبسطها في غير الحق وذي الحق.
وقال أبو بكر الأصم : دل قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) أن قول اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] : أنهم لم يريدوا حقيقة اليد ، ولكن التضييق والتقتير ، وكذلك لم يرد بقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] ـ حقيقة بسط اليد ، ولكن أراد التوسيع في الرزق والتكثير ؛ ألا ترى أنه قال : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة : ٦٤].
ثم يحتمل الخطاب في هذه الآيات الوجوه الثلاثة التي ذكرنا فيما تقدم في غير موضع : أحدها : أنه خاطب رسوله بذلك كله ، وشارك فيه قومه ، وفي القرآن كثير أنه خاطب رسوله بأشياء فيشرك قومه في ذلك.
والثاني : خاطب كلّا في نفسه نحو ما ذكرنا في قوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) [الانفطار : ٦ ، الانشقاق : ٦] ، و (يا أَيُّهَا النَّاسُ) [البقرة : ٢١] ، وقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)
__________________
(١) في أ : لما.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٢٢٧١) ، و (٢٢٢٧٢) ، وابن أبي حاتم بنحوه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٢٢).
(٣) في أ : عن.
(٤) قاله الحسن ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٢٢).