[الإخلاص : ١] ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : ١] ، [و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)](١) ونحوه من الخطابات ، خاطب كل أحد في نفسه ؛ إذ لا يحتمل أن يخاطب في : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) رسول الله خاصة ، ولا يخاطب غيره ؛ بل الخطاب به كل الناس وكل إنسان.
والثالث : خاطب رسوله على إرادة غيره على سبيل الخصوصية له ، نحو ما يخاطب ملوك الأرض خواصهم وأعقلهم من رعيتهم ؛ على إرادة ذلك الخطاب غير المخاطبين ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا ، أو أن يكون خاطب بقوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) غيره ممّن يمسك ، ويخاطب بقوله : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) رسول الله ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يحتمل أن يكون ما ذكر ، وقد يحتمل البسط ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً).
يحتمل قوله : (مَلُوماً) : عند نفسك وعند الناس ، تلوم نفسك بأنك : لم أنفقت؟! وعند الناس : لمّا لم تجد ما تنفق عليهم ، وعند الله ـ أيضا ـ إذا أنفقت في غير حق.
(مَحْسُوراً) : قال القتبي (٢) : أي : تحسرك العطية وتقطعك ، كما يحسر السفر البعير فيبقى منقطعا :
وقال أبو عوسجة : هو من الحسرة ، وهي الندامة ، يقال : حسر الرجل فهو محسور ، وقال : التبذير : الفساد ، و (مَلُوماً) ، أي : ملوما محزونا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ).
أي : هو يوسع الرزق على من يوسع ، وهو يقتّر ويضيّق على من يضيق ويقتر ، أي : ذلك إلى الله لا إلى الخلق ؛ ليقطعوا الرجاء من الخلق ، ويروا ذلك من الله لا يرون من غيره.
والثاني : ذكر هذا ؛ ليدوم الفضل لمن ذكر الفضل ، ويتبين لهم حيث قال : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء : ٢١].
ومن الناس من قال بأن قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) صلة قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ، يقول ـ والله أعلم ـ إنك إن منعته وحرمته ، وكان في تقدير الله التوسيع عليه والبسط ـ لم يضره منعك ولا حرمانك ، ولو وسعت عليه وبسطت ، وكان في تقديره التضييق والتقتير لم ينفعه بسطك ولا توسيعك ؛ ليعلموا أن التوسيع والبسط ، والتضييق والمنع من الله ، أو ذكر ليقطعوا الرجاء من الخلق
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥٤).