ترعى الماشية في السكك ؛ إذ ليس لها مراع ، ونحن نقول : إن من أرسل ماشية في مكان لا مرعى لها إلا كرم إنسان أو حائط فأفسدته ، فالواجب عليه الضمان : ضمان ما أفسدت ، وهو كمن يرسل الماء في ملكه في مكان لا يقر فيه ، فتعدى إلى ملك جاره فأفسده ـ فعليه ضمان ما أفسده منه.
ومن الناس من يجعل الخبر منسوخا بما جاء : (جرح العجماء جبار) ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، وإنما يكون جرحها جبارا إذا تعدت هي من غير إرسال صاحبها ، فأما إذا كان بصنع صاحبها فعليه الضمان ، والله أعلم.
وقال القتبي (١) : (نَفَشَتْ) أي : رعت ليلا ، يقال : نفشت الغنم بالليل ، وهي إبل نفش وأنفاش واحدها : نافش ، وسرحت وسربت بالنهار.
وقال أبو عوسجة : (نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) ، يقال : أنفشنا الغنم : إذا أثرناها في الليل فرعت ، وهو النفش ونفشت ، أي : انتشرت بغير علم أهلها ، ونفشت تنفش نفشا فهي نافشة.
قال أبو عبيدة (٢) : النفش بالليل : أن تدخل في زرع فتأكله ، أو رعت فتأكل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ).
ذكر التسبيح هنا في الجبال ولم يذكر في الطير ، ولكن ذكر في آية أخرى حيث قال : (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) [ص : ١٩] : أي : يسبح له.
ثم يحتمل أن يكون تسبيح الجبال هاهنا والطير تسبيح خلقة ، لكنه لو كان تسبيح خلقة لكان تسبيحها مع داود وغيره سواء ، وقد ذكر يسبحن مع داود ؛ ليعلم أن الله جعل لهذه الأشياء تسبيحا يسبحن الله ويذكرونه ، كذلك ما روي في الأخبار أن الطعام يسبح في كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣) ، وروي أنه أخذ حجرا فسبح في يده (٤) ، وأنه أخذ كذا فسلم عليه (٥) ، وأمثال هذا كثير ، وذلك كله آية لرسل الله على رسالتهم.
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٧).
(٢) انظر : مجاز القرآن (٢ / ٤١).
(٣) في الباب عن عبد الله بن مسعود ، أخرجه البخاري (٧ / ٢٨٦) كتاب المناقب : باب علامات النبوة في الإسلام (٣٥٧٩) من طريق إبراهيم عن علقمة عنه قال : كنا نعد الآيات بركة ... ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
(٤) في الباب عن أبي ذر قال : «تناول رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبع حصيات فسبحن في يده ، حتى سمعت لهن حنينا ، ثم وضعهن في يد أبي بكر ، فسبحن ثم وضعهن في يد عمر فسبحن ، ثم وضعهن في يد عثمان فسبحن» أخرجه البزار والطبراني ، كما في فتح الباري (٧ / ٢٩٢).
(٥) في الباب عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن» أخرجه مسلم (٤ / ١٧٨٢) كتاب الفضائل : باب فضل نسب النبي صلىاللهعليهوسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة (٢ / ٢٢٧٧).