وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُنَّا فاعِلِينَ).
أي : كنا فاعلين ما نريد : إن أردنا أن يسبحن ، يسبحن ، وإن أردنا ألا يسبحن ، لا يسبحن ، أي : كنا فاعلين جميع ما نريد ، ليس كالخلائق ؛ لأنهم يريدون أشياء لا تلتئم لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) ، وقال في آية أخرى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ ...) الآية [سبأ : ١٠ ، ١١].
ثم يحتمل قوله : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سبأ : ١٠] أي : علمناه السبب الذي به يلين الحديد فيصنع به ما شاء ، كما علم غيره من الخلق السبب الذي يلين به الحديد.
ويحتمل أن جعل له الحديد لينا بلا سبب ؛ تسخيرا له كما سخر له غيره من الأشياء الشديدة الصلبة ، كما أعطى ولده عين القطر حيث قال : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) [سبأ : ١٢] وذلك لم يكن لأحد سواه. وكذلك الحديد ألان لوالده حتى يعمل به ما شاء ما لم يكن ذلك في حديد سواه ، (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) قيل : دروع الحديد (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي : تقيكم من بأسكم ، أي : من عدوكم ومن أمر حربكم ، وفيه قرأت : لتحصنكم بالتاء : وليحصنكم بالياء : ولنحصنكم بالنون.
قال الكسائي : من قرأ بالتاء : لتحصنكم أي : الصنعة تحصنكم من بأسكم ، ومن قرأ بالياء : ليحصنكم أي : اللبوس يحصنكم من بأسكم ، ومن قرأ بالنون : لنحصنكم فإنه يقول : نحصنكم بهن من بأسكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) ما أعطاكم من النعمة التي ذكر من تسخير الجبال له والطير والحديد والرياح وغيره ، فهل أنتم شاكرون ذلك ، أي : اشكروا له في نعمه ؛ لأن الاستفهام من الله على الإيجاب والإلزام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ) ذكر هاهنا «عاصفة» ، وقال في آية أخرى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) [ص : ٣٦] أي : لينة ، فهو يحتمل وجوها :
قال بعضهم : كأنها تشتد إذا أراد سليمان وتلين إذا أراد.
وقال بعضهم : كانت تشتد وقت حمل السرير وتلين وقت سيره.
ويحتمل أن تكون عاصفة شديدة في الخلقة ، لكنها كانت تلين له وترخو ؛ فكأنه يقول : سخرنا لسليمان الريح العاصفة الشديدة حتى كانت تلين له.
وقوله : (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) لا تقصد غيرها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ. وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ