وجائز أن يكون لرسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خاصّة ؛ فيكون في وجهين :
أحدهما : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) وما أرسلناك : إلا جعلناك رحمة للعالمين.
أو أن يقال : وما أرسلناك إلا رحمة منا للعالمين ، والعالمين : هو الجنّ والإنس ؛ لأنه بعث إليهم ، ثم الرحمة فيه يحتمل وجوها :
أحدها : تأخير العذاب عنهم.
والثاني : أنه رحمة ، حتى إذا اتبعوه يكون به نجاتهم ، وبه عزهم في الدنيا والآخرة.
والثالث : شفاعته لأهل الكبائر في الآخرة ، ونحو ذلك (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) كأنه على الدعاء خرج الأمر ، كأنه قال : أمرني ربي أن أخبركم : أن إلهكم إله واحد ؛ فاصرفوا العبادة إليه ، ولا تشركوا فيها غيره.
أو أن يقول : أوحى إليّ أن أدعوكم إلى إلهكم الذي هو إله واحد ، وإلا كان رسول الله يعلم أنه إله واحد ، لكنه خرج على الدعاء والإخبار أنه إله واحد.
أو أن يخبرهم أني [أدعوكم] إلى ما أدعوكم إليه وآمركم ، إنما أدعوكم وآمركم بالوحي بما أوحى إليّ ، لا من تلقاء نفسي : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الأنبياء : ٤٥] والله أعلم.
وقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ظاهره وإن كان استفهاما فهو على الأمر والإيجاب كأنه قال : قد أوحى إلى أن إلهكم إله واحد ، فأسلموا له وأخلصوا العبادة له ، لا تشركوا فيها غيره ، والإسلام هو أن يجعل كلية الأشياء والأعمال كلها لله عزوجل ، ثم هو يكون على وجهين :
أحدهما : على الاعتقاد أن يعتقد كلية الأشياء لله ، لا على تحقيق ذلك الفعل.
والثاني : على تحقيق جعل الأشياء كلها لله اعتقادا وفعلا وقولا ، منه يخاف ، ومنه يرجو ، لا يخاف غيره ، ولا يرجو من دونه ، فهو حقيقة الإسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) هذا يدل على أن الأوّل خرج على الأمر والدعاء ، حيث قال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإجابة إلى ما دعوتهم إليه (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أي : أعلمتكم على عدل وحق ، كقوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران : ٦٤] أي : عدل بيننا وبينكم ، فعلى ذلك هذا محتمل أن يكون قوله : (عَلى سَواءٍ) أي : على عدل وحق.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ٦٢٠ ـ ٦٢١).