ويحتمل أيضا : (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أي : أعلمتكم ، أي : حتى أنا وأنتم في العلم على سواء ، أي : على الاستواء في العداوة والمخالفة ، وفي كل أمر على الاستواء ، وهو كقوله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨] على الاستواء في العداوة ، أي : انبذ إليهم حتى تكون أنت وهم على الاستواء في العلم بالمنابذة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) أي : ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون؟
ثم يحتمل قوله : (ما تُوعَدُونَ) الساعة والقيامة التي كانوا يوعدون بها وهم كانوا يستعجلون بها ، كقوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٨] فيقول : ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون؟
ويحتمل قوله : (ما تُوعَدُونَ) من العذاب الذي كان يعد لهم أنه نازل بهم في الدنيا ، وهم كانوا يستعجلون كقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سبأ : ٢٩] فيقول : ما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون من العذاب؟ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) يخرج ذلك على الوعد والتنبيه والزجر عن المكر برسول الله والقول فيه بما لا يليق به ؛ يخبر أنه يعلم ما تظهرون من القول (ما تَكْتُمُونَ) أي : ما تسرون من المكر به.
وفيه دلالة إثبات رسالة محمد ، حيث أخبرهم عما أسروا فيما بينهم من المكر به.
وقوله : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ذكر أنه ما أدري (لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ) ، ولم يبين ما الذي يكون فتنة لهم.
لكن بعض أهل التأويل قال : ما أدري ما قلت لكم من العذاب والسّاعة : هل يؤخر عنكم لمدّتكم ومتاع لكم إلى حين فيصير ما قربت لكم من العذاب والساعة فتنة لكم فتقولون : لو كان ما خوفنا به محمد حقّا ، لكان نزل بعد ؛ فيصير قولي ذلك فتنة لكم ؛ هذا محتمل.
ويحتمل وجها آخر ، وهو : لما قال : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) : أنه كان خوفهم نزول العذاب بهم ، ولكن لم يبين لهم الوقت أنه متى ينزل بهم ، فيقول : ما أدري لعل تخويفي إياكم العذاب على بيان وقته فتنة لكم ؛ لأنه إذا تأخر عنهم العذاب متاعا لهم يأمنون عنه ؛ فيحملهم ذلك على تكذيبه فيما خوفهم من العذاب ، ويكون ما يأمنون من العذاب متاعا لهم ؛ لأنه لو كان وقت نزول العذاب مبينا لكانوا أبدا على خوف فينقض ذلك الخوف ويمنعهم عن المتاع وإن لم يبين لهم الوقت ، فإذا تأخر عنهم يأمنون