ويتمتعون ، فيقول : ما أدري ، لعل تخويفي إياكم لكم فتنة [وعندنا :] ألا يجب أن يفسر قوله : (فِتْنَةٌ لَكُمْ) أنه أي شيء أراد؟ وهم قد عرفوا أنه ما أراد به؟ وليس لنا أن نفسر ذلك : أنه أراد كذا إلا ببيان عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) تعلق أكثر المعتزلة بظاهر هذه الآية في مسائل لهم ؛ يقولون : يجوز أن يدعى بدعوات يعلم الداعي أنه قد أعطى ذلك له ، من نحو سؤال المغفرة : ربّ اغفر لي ، وهو مغفور [له] ، وربّ أعطني كذا ، وهو معطى له ، ويقول : رب اغفر لي ، وهو يعلم أنه لا يغفر له ، ونحو هذا من المسائل لهم ، فيحتجون بظاهر قوله : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) أمر رسول الله أن يدعو به على علم منه أنه لا يحكم [إلا] بالحق.
ونحن نقول : إنه لا يجوز أن يدعى بمثل هذا الدعاء على الإطلاق إلا على اعتقاد معنى آخر في ذلك كأن الله فعل ذلك ؛ فيكون ذلك منه عدلا وحقا ، نحو أن يكون قوله : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) أي : بالنصر له ، والظفر على أعدائه ، وله ألا ينصره ، ويكون ذلك عدلا منه وحقا.
أو أن يكون المراد به : (احْكُمْ بِالْحَقِ) أي : بالعذاب الذي هو حكمك على مكذبي الرسل ، فأمّا أن يعتقد من قوله : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) ما اعتقد المعتزلة فيحصل الدعاء به : اللهم لا تجر ورب اعدل ، ومن عرف ربه هكذا فهو ليس يعرف حقيقته.
وقال أبو عبيدة في قوله : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) ، أي : رب احكم بحكمك وهو الحق ، وهو محتمل مستقيم ، وقد ذكرنا هذه المسألة وأمثالها فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أمر رسوله أن يستعين بالله ـ تعالى ـ على ما يقولون من تكذيبهم إيّاه فيما يدعو ويعد.
قال القتبي (١) : (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) أي : أعلمتكم ؛ فصرت أنا وأنتم على سواء ، وإنما يريد ؛ ب (آذَنْتُكُمْ) : أخبرتكم وأعلمتكم ذلك ؛ فاستوينا في العلم ، وهو ما ذكرنا.
وقال أبو عوسجة : قوله : (آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) ، أي : كلكم. والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وعليه التكلان.
* * *
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٩).