(نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).
أي : هم لا يأكلون من أرزاقكم ؛ بل لكل منكم رزق على حدة ، ليس في بقائهم نقصان في رزقكم ولا في فنائهم زيادة ؛ بل كلّ يأكل رزقه ، أو لا ترون أنّه قد أنشأ لهم رزقا لا شركة لكم فيه ، وهو ما أنشأ لهم من اللّبن في الضرع ، ولا تنتفعون أنتم به؟! فظهر أن كلّا يأكل رزقه ، لا يدخل بعض في رزق بعض نقصانا. ثم قال :
(إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) [أي : إن قتلهم في العقول كان خطأ كبيرا](١) ، لما ذكرنا أن في قتلهم قطع ما به قصد في إنشاء هذا العالم وفنائه ، أو يقول : (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) : في الأمم الخالية. ويشبه أن يكون خطاب ما خاطب هؤلاء الآيات : من قتل الأولاد ، والزنى ، وقتل النفس بغير حق ، وغير ذلك ما تقدم وما تأخر ؛ لوجهين :
أحدهما : ما كان للعرب أفعال وعادات السوء ممّا يخرج على السفه والقبح في العقل ، خارجة عن الحكمة تنهاهم عن ذلك.
والثاني : ذكر هذا ونهى ؛ لما علم أنه قد يكون في خلقه من يفعل ذلك خشية ما ذكر ، ويحملهم ذلك على ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
أي : في العقل كان وقت ما كان فاحشة ؛ لأن في إباحة الزنى ذهاب المعارف التي بها يوصل إلى الحكمة والعلم ، أو كان فاحشة في الحكمة ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨] : دل قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ـ على أن هنالك فحشاء قبل الأمر في الحكمة أو في العقل ، حتى قال : (لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ؛ إذ لو لم يكن ـ لكان قال : لا يأمر ، حسب ، وفي إباحة قتل الأنفس ذهاب ما به قصد من إنشاء العالم.
أخبر ـ عزوجل ـ : [في قتل الأولاد أنه](٢)(كانَ خِطْأً كَبِيراً) ، وهو ما يعظم في العقل ، وذكر في الزنى فاحشة ، وهو ما يفحش في العقل والحكمة ، وذكر في قتل النفس الإسراف ، وقال : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ، والإسراف هو المجاوزة عن الحدّ الذي جعل له.
ويحتمل قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) ، أي : لا تزنوا ؛ فإنه كان فاحشة ، ويحتمل : لا تقربوا الأسباب التي بها يوصل إلى الزنى (٣).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : اللباب (١٢ / ٢٧٠ ، ٢٧١).