والكف عن الشرور ثم لم يقدر على وفاء ما أراد ، ويقولون : لا صنع له في أفعال العباد ، ولا تدبير ؛ فعلى قولهم : لم يفعل الله مما أراد واحدا من ألوف ، ويقولون : إن الله أراد هدى جميع الخلائق ، لكنهم لم يهتدوا ، وهو أخبر أنّه يهدي من يريد ، وهم يقولون : يريد هدى الخلق كلهم فلم يهتدوا.
ونحن نقول : من أراد الله هداه اهتدى ، وما أراد أن يفعل فعل ، وهو ما أخبر (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] أخبر أنه يفعل ما يريد ، فيخرج على قولهم على أحد الوجهين :
إمّا على الخلاف في الوعد ، وإمّا على الكذب في القول والخبر ، فنعوذ بالله من السرف في القول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ).
تأويل الآية ـ عندنا ـ يخرج على وجهين :
أحدهما : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا ـ عليه أفضل الصلوات ـ ثم نصره ، فغاظه نصره إياه فيدوم غيظه ـ (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) أي : بحبل من السماء فيخنق ويقتل نفسه ؛ ليذهب غيظه الذي غاظه نصره ؛ يستريح مما غاظه.
والثاني : يخرج على الوعد بالنصر والخبر : أنه ينصره ، يقول : من كان يظن أن ما وعد له من النصرة ، لا يفعل ذلك له ، ولا ينصره ، ولا ينجز ما وعد ؛ (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ) ، أي : ليحبس ما وعد له من النصر ؛ إن غاظه ما وعد ؛ ليذهب غيظه الذي غاظه ؛ فعلى هذا التأويل يكون السماء سماء الأصل ، أي : يحبس السبب الّذي ينزل من السماء.
قال بعضهم (١) : قوله : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ) أن لن يرزقه الله ، ويجعله صلة قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج : ١١] لأنه يجعل الآية في أهل النفاق ، يقول : من كان يظن من أهل النفاق : أن الله لا يرزقه إذا كان في ذلك الدّين الذي كان فيه ودام ـ فليمدد بما ذكر.
وقال مجاهد : (كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) ، قال ذلك خيفة ألا يرزق.
وأهل التأويل صرفوا السماء إلى سقف البيت ، ويقولون : القطع : الخنق.
وقال القتبي : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) أي : لن يرزقه الله وهو قول أبي عبيدة
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٩٦٤) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٢٥).