وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) في الجنة (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : من خذله الله وطرده عن عبادته وبابه (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) ، كقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الرعد : ٣٣].
أو أن يقول : ومن أهانه الله في النار بالعذاب ، فما له من منج ينجيه عن ذلك.
(إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) هذا على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : شاء أشياء فلم يفعل ، فهو يقول : (يَفْعَلُ ما يَشاءُ).
وقوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) اختلفوا في تأويله :
قال بعضهم (١) : نزل هذا في ستة نفر تبارزوا : ثلاثة من المسلمين : حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث ، وثلاثة من المشركين : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، فذلك اختصامهم.
وقال بعضهم (٢) : أهل الإسلام وأهل الكتاب في الدين : قالت اليهود والنصارى : نحن أولى بالله منكم يا معشر المسلمين ؛ لأن نبينا قبل نبيكم ، وديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم. فقال المسلمون : بل نحن أولى بالله ، آمنا بكتابنا وكتابكم ، ونبيّنا ونبيكم ، وبكل كتاب أنزله الله ، ثم كفرتم أنتم بنبينا ، وكتابنا ، وبكل نبيّ كان قبل نبيكم ؛ فأنزل الله تعالى ما فصل بين المؤمنين وأهل الكتاب فقال : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد وبالقرآن ، وهم اليهود والنصارى ، (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ...) إلى آخر ما ذكر ، وقال في المؤمنين : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) الآية.
وقال بعضهم (٣) : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) : النار والجنة : قالت النار : جعلني الله للعقوبة للعصاة والفسقة ، وقالت الجنة : جعلني الله للرحمة للأنبياء والأولياء ، ونحوه. لكن متى يكون للنار مخاصمة ، وكذلك الجنة ، وهو بعيد.
وقال بعضهم : اختصم المسلم والكافر في البعث.
__________________
(١) قاله أبو ذر ، أخرجه البخاري (٤٧٤٣) ، ومسلم (٣٤ / ٣٠٣٣) ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٢٧).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٩٨٤).
(٣) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٩٨٩).