وجائز أن يكون اختصامهم ما ذكر من أوّل السورة إلى هذا الموضع ، من ذلك قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الحج : ٨] وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) [الحج : ١١] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [الحج : ١٧] يكون اختصامهم بين هؤلاء الذين ذكرهم في هذه السورة ، وهم أهل الإسلام وأهل الكفر ؛ في الآية بيان ذلك ، حيث قال : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) ، وقال في المؤمنين : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الحج : ١٤].
ثم جائز أن يكون هذا الذي ذكر في الآية الأولى ، حيث قال : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الحج : ١٧] : ينزل أهل الإسلام في الجنّة وأهل الكفر في النّار ، والله أعلم.
وقوله : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) كقوله : (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ ...) الآية [إبراهيم : ٥٠].
وقوله : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) قيل : الحميم : الماء الحار الذي انتهى حرّه غايته.
وقوله : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) :
قال القتبي (١) : يصهر : يذاب ، يقال : صهرت النار الشحمة ، والصهارة : ما أذيب من الألية ، وكذلك قال : الصّهارة : ما يبقى من الشحم والألية إذا أذيبا ، يقال : صهرت الشحم : أي أذبت ، أصهره صهرا.
(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) قال بعضهم : المقامع : الأعمدة من الحديد ، وهو قول أبي معاذ.
وقال بعضهم : المقامع : شبه العصا ، الواحدة : مقمعة.
قال أبو معاذ : يعني قوله : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) أي : يذاب ما في بطونهم خاصّة ، وأمّا الجلود فإنّها تحرق ؛ لأن الجلد لا يصهر ولا ينصهر ، وقال : هذا مثل قول العرب : (أتيته فأطعمني والله ثريدا ، والله ولبنا قارصا ـ أي : حامضا ـ والله فإزارا ورداء ، والله وحملانا فارها) تضمر لكل شيء فعلا يشاكله ، وفي القرآن مثله كثير ، وكذلك في اللسان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) : قال بعضهم : إن جهنم إذا جاشت ، ألقت من فيها إلى أعلاها ، فيريدون الخروج منها ، فيعيدهم الخزّان فيها بالمقامع ، ويقول لهم الخزنة : (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٩١).