وقال بعضهم : إن في جهنم دركات ، فإذا اشتد العذاب بهم ينقلبون من دركة السفلى إلى دركة العليا ، ويصعدون ، ثم يريدون الخروج منها ، فيعادون فيها ، كقوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر : ١٧].
وقال بعضهم : إن النار تضربهم بلهبها فترفعهم ، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع من حديد ، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفر لهبها ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، أي : من تحت أهلها ، وهو كما ذكر في آية أخرى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
وقوله : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لقوم رغبوا في هذه الدنيا بالتحلي بما ذكر ، وتفاخروا به فيها ، وهو ما ذكر : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) [الزخرف : ٥٣] وإلا قلما يرغب الناس في الدنيا في التحلي بما ذكر إلا النساء خاصّة.
فإمّا أن ذكر للنساء أو لقوم تفاخروا به في الدنيا فوعد لهم في الآخرة ذلك (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) [الزخرف : ٧١].
وقوله : (وَلُؤْلُؤاً) قال الكسائي : من قرأ : لؤلؤ بالخفض فهو يخرج على أنهم : يحلون فيها من أساور من ذهب ، ويحلون فيها من لؤلؤ حلية سوى الأساور.
ومن قرأ بالنصب : (وَلُؤْلُؤاً) ، أي : يحلون فيها لؤلؤا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) ، وكذلك ذكر في الخبر : «هو لهم في الدنيا ، ولنا في الآخرة» (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ).
جائز أن يكون هذا في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا : هو قول التوحيد ، وشهادة الإخلاص ، وأمّا في الآخرة كقوله : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠] فهو القول الطيب الذي هدوا إليه.
وقال بعضهم : قوله : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) : هو القرآن (وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) : الإسلام وشرائعه.
وقال قتادة (٢) : ألهموا التسبيح والتحميد كما ألهموا النفس.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٥٤٢٦) ، ومسلم (٥ / ٢٠٦٧) من حديث حذيفة.
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٥٠٠٣) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس بنحوه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٣١).