وجائز أن يكون ما ذكرنا من التغليظ والتشديد وتضاعف العقوبة ؛ ولذلك كره قوم الجوار بمكة لما يتضاعف عليهم العقوبة إذا ارتكب فيه مأثما وألحد فيه ، وجائز ما ذكرنا.
وقد كره قوم بيع رباع مكة وإجارتها بقوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ، وعلى ذلك رويت الأخبار بالنهي عن ذلك ، روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «مكة مناخ ، لا يباع رباعها ، ولا يؤاجر بيوتها» (١).
[و] عن عمر ـ رضي الله عنه ـ : «يا أهل مكة ، لا تتخذوا لدوركم أبوابا ؛ ليرد البادي حيث شاء» (٢) ونهاهم أن يغلقوا أبواب دورهم (٣).
وليس في ظاهر الآية ذكر مكة ؛ إن في الآية ذكر المسجد ، حيث قال : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ، وإنما ذكر ذلك في المسجد الحرام خاصّة.
وقال أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ : أكره إجارة بيوت مكة في الموسم من الحاج والمعتمر ، فأما المقيم والمجاور فلا نرى بأخذ ذلك منهم بأسا. وهو قول محمد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) قال بعضهم : (بَوَّأْنا) ، أي : هيأنا (مَكانَ الْبَيْتِ) ؛ لينزل فيه ، والبيتوتة : الإنزال ، كأنه قال : (بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) ، أي : أنزلناه مكان البيت (٤) ؛ ليتخذ فيه بيتا ، وقلنا له : لا تشرك بي شيئا ، وهكذا بعث الأنبياء جميعا ، بعثوا ألا يشركوا بالله ، وأمروا أن يدعو الناس إلى ترك الإشراك بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) وادع الناس أيضا إلى ألا يشركوا بالله شيئا.
ثم يحتمل قوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) ومن ذكر ، أي : طهره من الأصنام والأوثان التي فيه لئلا يعبد غيره.
وجائز أن يكون قوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) عن جميع الخبائث ، وعن كل أنواع الأذى من الخصومات ، والبياعات ، وغيرها ، وذلك للمسجد الحرام ولغيره من المساجد يطهر ويجنب جميع أنواع الأذى والخبث والفحش.
__________________
(١) أخرجه الدارقطني (٣ / ٥٨) ، والبيهقي (٦ / ٣٥) عن عبد الله بن عمرو مرفوعا وضعف إسناده ، وصححا وقفه.
(٢) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٣٣).
(٣) أخرجه عبد بن حميد وأبو بكر بن أبي شيبة من طريقين عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٣٢).
(٤) ينظر : اللباب (١٤ / ٦٥ ـ ٦٧).