وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) قال أهل التأويل : (لِلطَّائِفِينَ) هم القادمون من البلدان (وَالْقائِمِينَ) : المقيمين هنالك (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : المصلين.
ويحتمل قوله : (لِلطَّائِفِينَ) : لكل طائف به ، (وَالْقائِمِينَ) ، (وَالْعاكِفِينَ) [البقرة : ١٢٥] : لكل عاكف نحوه ، والعكوف هو المقام للعبادة ، (وَالْقائِمِينَ) : لكل قائم عاكف نحوه ، (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وساجد نحوه ، أي : لكل مصلّ ، وهذا أشبه ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : على الإعلام : أن أعلم الناس : أن لله عليهم الحج بالبيت ، كقوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...) الآية [آل عمران : ٩٧].
والثاني : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) أي : ادع الناس ونادهم أن يحجوا البيت.
قال أهل التأويل (١) : لما أمر الله إبراهيم ينادي في الناس بالحج ، فنادى ، فأسمع الله صوته ما بين المشرق والمغرب ، حتى أسمع صوته ونداءه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فقالوا : (لبيك) ، ومن حج بيته فهو الذي أجاب إبراهيم لما ناداهم بالحج.
لكن لا يعلم ذلك إلا بالخبر عن رسول الله أنه كان ما ذكروا ، وإلا السكوت عنه وعن مثله أولى.
وقالوا : إن قوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) موصول بقوله : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ ...) الآية.
وجائز أن يكون قوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) لرسول الله ، أو لكل رسول بعث الأمر بذلك في كل زمان ، والله أعلم بذلك.
وقوله : (يَأْتُوكَ رِجالاً) أي : على الأرجل مشاة (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ، أي : يضمر ويذهب سمنه ؛ لبعد المضرب ، وهو ما ذكر : (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي : من كل بعيد.
ثم قوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) على الدعاء والأمر ، فيكون في قوله : (يَأْتُوكَ رِجالاً) دلالة لزوم الحج على المشاة ، كأنه قال : مرهم يحجّون مشاة على الأرجل وركبانا ، وإن كان على الإعلام فهو على الوعد والجزاء : أنهم يأتونك على الأرجل مشاة وعلى الدّواب.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، وأخرجه ابن جرير من طرق عنه (٢٥٠٣٩ ، ٢٥٠٤٠ ، ٢٥٠٤١) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٣٧).