وقوله ـ عزوجل ـ : (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أضاف الإتيان إلى الدّواب ؛ لأنه بالدواب يأتون ، فأضاف إليها لذلك ، والله أعلم.
وقال أبو عوسجة : (يُحَلَّوْنَ فِيها) [الحج : ٢٣] من الحلي من الذهب والفضة ، تقول : حليت المرأة ، أي : اتخذت حليا ، ويقال : حلي الشيء يحلى حلى ؛ إذا حسن ، ويقال : بعينه إذا حسن في عينه ، ويقال : حلى الشيء يحلو حلاوة فهو حلو ، ويقال : تحليت ، إن شئت جعلته أكلت حلاوته ، وإن شئت جعلته من الحلي ، ويقال : حلأت الإبل عن الماء ، أي : منعت ، ويقال : حليت الشيء وأحليته ، أي : جعلته حلوا.
وقال القتبي (١) : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) أي : المقيم ، والبادي ـ وهو الطارئ من البدو ـ سواء فيه ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه.
(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) أي : من يرد فيه إلحادا ، وهو الظلم والميل عن الحق ، فزيدت الباء ، كما يقال : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، وهو ما ذكرنا.
وقوله : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ، أي : ركبانا على ضمر من طول السفر (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي : بعيد غامض.
وقال أبو عوسجة : (الْعاكِفُ) : المقيم ، (وَالْبادِ) : من كان في البادية ، والإلحاد : الميل عن الحق ، ومنه اشتق اللحد ، لحد القبر.
(وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ، أي : على كل بعير ضامر ، أي : خميص البطن.
(يَأْتُوكَ رِجالاً) تقول : رجل الرجل يرجل رجلة ، فهو راجل ، والفج : الطريق ، [و] العميق : البعيد ، يقال : عمق ، أي : بعد ، يعمق عمقا ، فهو عميق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) ، قال الحسن : يشهدون مشاهد فيه ، فيذكرون الله فيها ويكتسبون أشياء تنفع لهم في الآخرة ، فذلك منافع لهم التي يشهدونها.
وقال غيره من أهل التأويل (٢) : (مَنافِعَ لَهُمْ) : التجارات والمنافع التي كانوا يكتسبونها إذا خرجوا للحج.
وقال بعضهم (٣) : التجارة في الدّنيا ، والأجر في الآخرة ، وهو مثل الأوّل.
وجائز أن يكون قوله : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) : الأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة ما لو لم يشهدوها لم يسق الله ذلك إليهم ؛ لأن من الأرزاق التي جعلت لهم
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٩١).
(٢) قاله ابن جرير (٩ / ١٣٦).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠٦٩ ـ ٢٥٠٧٣) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٤٠).