في البلدان ما يساق إلى أهلها وهم في مقامهم وأمكنتهم ، [و] من الأرزاق ما يساق أهلها إليها ما لو لم يأتوها لم يسق ذلك إليهم ، فجائز ما ذكر من المنافع : هو ما غاب عنهم من المنافع والأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة إذا خرجوا للحج نالوها ، وإذا لم يخرجوا له لم ينالوا.
وقال بعضهم : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) أي : متاجرهم وقضاء مناسكهم.
وقوله : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) اختلف فيه :
قال الحسن : هو يوم النحر خاصّة. وجائز إضافة الواحد إلى الجماعة ، كقوله : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) [نوح : ١٦] وإنما جعل في السماء الدنيا ، وكما يقال : (توارى فلان في دور بني تميم) ، وإنما توارى في دار من دورهم ، ومثل هذا كثير ، وذلك جائز في اللسان.
وقال بعضهم (١) : الأيام المعلومات : هو يوم النحر ويومان بعده.
وقال بعضهم : المعلومات والمعدودات هي أيام التشريق جميعا.
وقال بعضهم (٢) : الأيام المعلومات : هي أيام العشر ؛ لأنها هي أيام الذكر فيها.
وجائز أن يكون قوله : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) كناية عن الذبح ، وأيام الذبح ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ؛ ألا ترى أنه قال : (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها) ذكر الأكل ولم يذكر الذبح ، فذلك يدل على أن قوله : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) كناية عن الذبح ، وإنما كان كناية عنه ؛ لأنه بالذكر يقدم الذبائح ولا يخلو منه دونه ، والله أعلم.
وقوله : (فَكُلُوا مِنْها) :
قال بعضهم (٣) : من الأضاحي ؛ لأن التناول من الأضاحي كان لا يحل فخرج ذلك مخرج رخصة التناول منها والحل ، لكن الأضاحي لا يحتمل ؛ لأن الوقت ليس هو وقت الأضاحي ولا أماكنها ، إنما هو وقت دم المتعة والقران ودم التطوع. وفيه إباحة التناول من دم المتعة والقران.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) : قال بعضهم : البائس : من البؤس ، وهو ما اشتد به من الحاجة والشدة.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٤١) ، وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر ، كما في المصدر السابق.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه أبو بكر المروزي في كتاب العيدين وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٦٤١) ، وهو قول عطاء ومجاهد أخرجه عبد بن حميد عنهما ، كما في المصدر السابق.
(٣) قاله عطاء وأبو صالح الحنفي ، أخرجه عبد بن حميد عنهما ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٤١).