وقال بعضهم (١) : البائس : الذي سألك ، والفقير : المتعفف الذي لا شيء له.
وقال بعضهم (٢) : البائس : هو الذي به زمانة ، والفقير : الصحيح الذي لا شيء له ، وهو مثل الأوّل.
وقوله : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) : قال بعض أهل الأدب : التفث : لا يعرف في لسان العرب ما يراد به.
وقال الحسن : التفث : هو التقشف ، وهو ترك الزينة ، يدل على ذلك ما روي أنه سئل عن الحاج ، فقال : «كل أشعث تفل».
وقال أبو عوسجة : التفث في الأصل : الوسخ ، يقال : امرأة تفثة : إذا كانت خبيثة الريح ، وهو قريب مما قال الحسن : إنه ترك الزينة.
وأهل التأويل (٣) يقولون : التفث : هو حلق الرأس ، وقصّ الأظفار والشارب ، والرمي ، والذبح ، ونحوه.
وقال بعضهم (٤) : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) : المناسك كلها.
وروى في الخبر : «من وقف من عرفة بليل ، وصلى معنا الجمع ، فقد تم حجّه وقضى تفثه» (٥) ، ظاهر «قضى تفثه» ، أي : نسكه.
وجائز أن يكون قوله : «قضى تفثه» أي : جاء وقت الزينة ، وهو وقت الحلق واللباس ، والله أعلم.
وقوله : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ، أي : ليوفوا ذبح ما أوجبوا ذبحه ، ذكر فيما ساق من الهدي لمتعته ولحجته الأكل منه ؛ لقوله : (فَكُلُوا مِنْها) ، ولم يذكر الأكل ممّا أوجب بالنذر ؛ فلذلك يقول أصحابنا : إنه يجوز له التناول من هدي المتعة والقران ، ولا يجوز التناول مما كان وجوبه بالنذر والكفارة ، بل عليه أن يتصدق بالكل ، وهو ما قال : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦] ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله مجاهد وعكرمة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٥٠٨٥ ـ ٢٥٠٨٧).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠٨٤).
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠٩١) وعن عكرمة (٢٥٠٩٢ ، ٢٥٠٩٣) ومجاهد (٢٥٠٩٥ ، ٢٥٠٩٨) وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٤٢).
(٤) قاله ابن عمر ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٠٨٩ ، ٢٥٠٩٠).
(٥) أخرجه أحمد (٤ / ١٥ ، ٢٦١) وأبو داود (١٩٥٠) وابن ماجه (٣٠١٦) ، والترمذي (٨٩١) والنسائي (٥ / ٢٦٣ ، ٢٦٤) عن عروة بن مضرّس ، بلفظ : «من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه».