وقوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) هذا يحتمل أن يكون خاطب به ولي القتيل فقال : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ، أي : لا يجاوز الحدّ الذي جعل له ؛ على ما روي : «إذا قتلت فأحسن القتل» (١) ، والثاني خاطب به القاتل : يقول له لا تقتل ؛ فإنه إسراف ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً).
قال بعضهم (٢) : إن المقتول كان منصورا بالولي ينصره الولي ؛ بقوله : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً). ويحتمل منصورا بالمسلمين ، أي : على المسلمين وغيرهم دفع ذلك القتل عنه ؛ هذا على تأويل من يتأول في قوله : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ـ قتل غير قاتل وليه ، أو يزيد في جراحاته ، ويمثل مثلا بقول : احذروا ذلك ؛ فإن على المسلمين دفع ذلك عنه ، أو كان منصورا في الآخرة.
وفي ظاهر هذه الآية دلالة أن القصاص واجب بين الأحرار والعبيد ، وبين أهل الإسلام وأهل الذمة ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) ؛ فكانت أنفس أهل الذمة والعبيد داخلة في هذه الآية ؛ لأنها محرمة وفيه ما ذكرنا أن للكبير من الورثة قتله ، وإن كان فيهم صغار.
وروي أن الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ قتل قاتل أبيه فلانا (٣) ، وفي الورثة صغار لم يدركوا يومئذ.
ويحتمل أن يكون (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) في ظاهر هذا : أن القاتل هو كان منصورا ، [ثم
__________________
(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٤٨) كتاب : الصيد والذبائح ، باب : الأمر بإحسان الذبح ، والقتل ، وتحديد الشفرة ، حديث (٥٧ / ١٩٥٥) ، والطيالسي (١ / ٣٤١ ، ٣٤٢) كتاب : الصيد والذبائح ، باب : ما جاء في نحر الإبل وذبح غيرها ، حديث (١٧٤٠) ، وأحمد (٤ / ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥) ، وأبو داود (٣ / ٢٤٤) كتاب : الأضاحي ، باب : في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة ، حديث (٢٨١٥) ، والترمذي (٤ / ٢٣) كتاب : الديات ، باب : ما جاء في النهي عن المثلة ، حديث (١٤٠٩) ، والنسائي (٧ / ٢٢٩) كتاب : الضحايا ، باب : حسن الذبح ، وابن ماجه (٢ / ١٠٥٨) كتاب : الذبائح ، باب : إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، حديث (٣١٧٠) ، وابن الجارود ص (٣٠١) باب ما جاء في الذبائح ، حديث (٨٩٩) ، والدارمي (٢ / ٨٢) كتاب : الأضاحي ، باب : في حسن الذبيحة ، وعبد الرزاق (٤ / ٤٩٢) رقم (٨٦٠٣ ، ٨٦٠٤) ، وابن حبان (٥٨٥٣ ـ الإحسان) ، والطبراني في الكبير (٧ / رقم ٧١١٤) ، وفي الصغير (٢ / ١٠٥) ، والسهمي في تاريخ جرجان (ص ـ ٣٨٦) ، والخطيب في «تاريخه» (٥ / ٢٧٨) ، والبيهقي (٨ / ٦٠) ، والبغوي في شرح السنة (٦ / ٢١) من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله كتب الإحسان على كل مسلم ، فإذا قتلتم ، فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٢٣٠٠) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٢٧).
(٣) انظر : الطبقات الكبرى لابن سعد (٣ / ٢٨ ، ٢٩).