وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر أنه ينصرهم ويدفع عنهم أذاهم وشرهم وأنهم خونة ، فكان على ما أخبر ؛ فدل أنه عرف بالله ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) قال بعض أهل التأويل : إن المشركين كانوا لا يزالون يؤذون أصحاب رسول الله ويقاتلونهم وهم لم يؤمروا بقتالهم بعد ، فلما هاجروا إلى المدينة أمروا بقتالهم بقوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) قال بعضهم (١) : إنه لم يكن لهم الأمر بقتالهم ، ولا الإذن حتى أمروا بذلك ، وأذنوا ، فقال أولئك : لم تؤمروا بقتالنا ، فيكف تقاتلوننا؟ فأخبر : أنهم أذنوا وأمروا بالقتال معهم ، والله أعلم بذلك.
وظاهره : أنه كان هنالك منع عن القتال حتى أذنوا وأمروا ، ولكن لا ندري لأية جهة كان ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ظاهر على ما أخبر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) قال بعض أهل التأويل (٢) : أخرج الكفار أصحاب رسول الله من مكة بغير حق بأن قالوا : ربنا [الله] ، وآمنوا به ووحدوه ؛ لهذا أخرجوهم.
وقال بعضهم : على التقديم والتأخير ، يقول : كأنه قال : أذن للذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق أن يقاتلوهم إلا أن يقولوا : ربّنا الله ، فإذا قالوا ذلك يرفع عنهم القتال ؛ لأن أهل مكة كانوا لا يقرون بالله ولا يؤمنون به ، فإذا قالوا ذلك وأقروا أنه ربّهم رفع عنهم القتال ، وأما من يقر به ويصدّقه لكنّه ينكر رسالة محمد ونبوته ، فما لم يقر بها ولا يصدّق بها فإن القتال لا يرفع عنهم ، ومن يقر به ويصدّقه بأنه رسوله إلا أنه ينكر الشرائع فإنه يقاتل حتى يقر بها ويصدّق بها ، فإذا أقرّ بها رفع عنهم القتال ، وذلك كله روي في الخبر (٣) أنه قال صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها» ، وفي خبر آخر : «حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأنّي رسول الله ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني ...» كذا ، وفي خبر آخر : «حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ...» إلى آخر ما ذكر ، فالأول للذين لا
__________________
(١) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٢٦٠) وعن قتادة (٢٥٢٦١ ، ٢٥٢٦٢) ، وأخرجه ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير ، وأخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن أبي هريرة ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٥٥).
(٢) قاله ابن جرير (٩ / ١٦٢).
(٣) تقدم تخريجه.