يقرون بوحدانية الله تعالى ، فإذا أقروا به رفع عنهم القتال ، والثاني في الذين يقرون به ولا يؤمنون بالرسالة ، فإذا آمنوا بها رفع عنهم القتال ، والثالث في الذين يقرون بالله ويؤمنون برسوله لكنّهم ينكرون الشرائع ، فإذا أقروا بها رفع عنهم القتال. كانوا أنواعا ثلاثة على ما ذكرنا ؛ فجاء في كل فريق ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ ...) إلى آخر ما ذكر ، وقال في آية أخرى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة :
٢٥١] ، وفي موضع آخر : (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [المؤمنون : ٧١] ونحوه.
قال بعضهم : دفع بالنبيّين عن المؤمنين ، ودفع بالمجاهدين عن القاعدين ما لو لم يدفع لهدمت كذا وما ذكر ، أي : دفع بالأخيار عن الأشرار ، وبالأخير عن الأدون ، وإلا لهدمت وفسد ما ذكر.
وقال بعضهم : لو لا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي ، وبمن يصوم عمن لا يصوم ، وبمن يحج عمن لا يحج ، وبمن يزكي عمن لا يزكي ، وبمن يفعل الخيرات عمن لا يفعل ـ لفسدت الأرض ، ولهدمت الصوامع ، وما ذكر ، وعلى ذلك [روي] عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى بأهل دمشق صلاة الصبح ، فقال : لو يعلم الناس ما في هذه الصلاة من الخير لحضروها. ثم قال : لو لا أن الله يدفع بمن يحضر المساجد عمن لا يحضرها ، وبالغزاة عمن لا يغزو ـ لجاءهم العذاب قبلا. أو كلام نحو هذا.
وقال الحسن : إن في الصوامع والبيع والكنائس من الرهبان والأحبار [من] يتمسك بالإسلام وشرائعه فيدفع بهم عمن لا يتمسك منهم.
وقال بعضهم : لو لا دفع الله بأهل هذا الدّين كلهم ، لكان كذا.
وقال بعضهم : دفع بالمسلمين عن مسجدهم ، وبالنصارى عن بيعتهم ، وباليهود عن كنيستهم. إلى هذا ذهب أهل التأويل والمتقدمون ، ولو قيل غير هذا كان أشبه وأقرب ، وهو أن الله خلق هذا الخلق ، وجعل بعضهم عونا لبعض وردءا في أمر المعاش والدّين جميعا ، وجعل لبعضهم منافع متصلة ببعض ما لو كلف كله القيام بنفسه فيه ، لهلكوا ولم يكن في وسعهم القيام بذلك ، نحو أن يكلف أحدا بالقيام بجميع ما يحتاج إليه من الحراثة ، والزراعة ، والحصاد ، والدياس ، والتذرية ، والطحن ، والخبز ، وغيره ، ما لو كلف بنفسه بذلك كله لهلك ، ولكن جعل بعضهم عونا لبعض وردءا لهم ، وانتفاع بعضهم ببعض ، وكذلك الغزل ، والنسج ، والخياطة ، والقطع ، والغسل كله على هذا القياس ما لو كلف بنفسه القيام بذلك كله لهلكوا ، ولو هلكوا هلك ما لهم خلق من السموات والأرض