مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)(٥٩)
وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) ، أي : تلا (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) قيل : في تلاوته ، وقراءته الآية.
قال عامة [أهل] التأويل (١) : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تمنى ـ أي : تلا في صلاته ـ أو حدث نفسه ، ألقى الشيطان على لسانه عند تلاوته ب (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [النجم : ١] ، حتى إذا انتهى إلى قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ١٩ ، ٢٠] [قال] : «تلك الغرانيق العلى [وإن] شفاعتهن لترتجى». ويذكرون أنه أتاه على صورة جبريل ، فألقى عليه ما ذكروا ، ثم أتاه جبريل فأخبره النبي بذلك ، فقال له : إنه لم ينزل عليه قط شيئا مثله (٢). وأمثال ما قالوا.
لكنه لو كان ما ذكر هؤلاء كيف عرفه في المرة الثانية أنه جبريل ، وأنه ليس بشيطان ، ولا يؤمن أنه يلبس عليه في وقت آخر في أمثاله.
وقال قتادة (٣) : إنّه صلىاللهعليهوسلم كان يتمنى أن يذكر الله آلهتهم بعيب ، فلما قرأ تلك الآية (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ) [النجم : ٢٠] قال : «إنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى عندهم» ، يعني به : عند أولئك الكفرة ، وهم على ذلك كانوا يعبدونها.
وقال الحسن : إنه أراد بقوله : «تلك الغرانيق العلى و [إن] شفاعتهن لترتجى» : الملائكة ؛ لأنهم كانوا يعبدون الملائكة ؛ رجاء أن يشفعوا لهم يوم القيامة ، فأخبر أن شفاعة الملائكة ترتجى.
وهذان التأويلان أشبه من الأوّل.
والأشبه ـ عندنا ـ : أن يكون على غير هذا الذي قالوا ، وهو أن قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي : عند تلاوته القرآن في قلوب الكفرة ما يجادلون به رسول الله ويحاجّونه ؛ فيشبهون بذلك على الأتباع ليتبعوهم ، وهو نحو قولهم : إنه يحرم ما ذبحه الله ، ويحل ما ذبح هو بنفسه. ونحو قولهم عند نزول
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٣٣٣) وعن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس (٢٥٣٢٧ ، ٢٥٣٢٨) وأبي العالية (٢٥٣٢٩ ، ٢٥٣٣٠) وغيرهم ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٦١ ، ٦٦٣).
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ١١٧ ، ١١٨).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بنحوه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٦٣).