وقال بعضهم (١) : هو عذاب يوم القيامة وهو شديد.
وجائز أنه سمّاه عقيما ؛ لأنه لا يرجى النجاة منه ، وكذلك سميت المرأة التي لا تلد : عقيما ؛ لما لا يرجى منها الوليد.
وقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) قال الحسن : الملك في الأحوال كلها لله في الدّنيا والآخرة ، لكن تأويل قوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) أي : الحكم يومئذ لله ، هو يحكم بينهم دون الخلائق ؛ لأن في الدّنيا من قد حكم غيره ، فأمّا يومئذ فالحكم له.
[و] عندنا : تخصيص الحكم يومئذ له بالذكر وإن كان الملك في الأيّام كلها لله ؛ لأنّهم جميعا يقرون له بالملك يومئذ ، لا أحد ينازع ، وفي الدنيا من قد ادعى الملك لنفسه ، وهو ما ذكره في قوله : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١](وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [آل عمران : ٢٨](وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [البقرة : ٢١٠] ، ونحوه ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ظاهر تأويله.
وقوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) أمّا أهل التأويل فإنّهم صرفوا تأويل الآية إلى الغزاة والمجاهدين في سبيل الله فقتلوا أو ماتوا حتف أنفهم ، فإن لهم ما ذكر من الرزق الحسن والمدخل المرضي ، وظاهره أن يكون في الذين هاجروا إلى رسول الله ، فإن كان فيهم ففيه دلالة نقض قول الروافض ، حيث قالوا : ارتد عامتهم ، حيث شهد الله لهم بالجنة ، والرزق الحسن ، والمدخل المرضي ، قتلوا أو ماتوا حتف أنفهم ؛ فلا يحتمل أن يكون منهم ما قالوا.
قال القتبي : قوله : (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) ، أي : تخضع وتذل ، وهو ما ذكرنا في قوله : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) [الحج : ٣٤].
وقال : (عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) كأنه عقم عن أن يكون فيه خيرا وفرجا للكافر.
وقال أبو عوسجة : (عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) : شديد ، وهو ما ذكرنا.
وقوله : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) قيل (٢) : هو الجنة ؛ لأنه إنما ذكر بعد الموت والقتل ؛ فلا يكون رزق حسن إلا في الجنة يستحسنها كل طبع وعقل (٣).
__________________
(١) قاله الضحاك وعكرمة ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٥٣٥١ ، ٢٥٣٥٢) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٦٤).
(٢) قاله السدي ، وأخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٦٥).
(٣) ينظر : اللباب (١٤ / ١٣١).