قال بعضهم : تمنى وأمنيته : هو من تمني النفس ، كقوله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ...) الآية [النساء : ٣٢] ، ونحوه وهو قول الحسن : تمنى كبعض ما تمنى الناس من الدنيا.
وقال قتادة : تمنى ما ذكرنا من تمني النفس أن يذكر آلهتهم التي كانت تدعى وترجى شفاعتهن ، على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هذا تأويل القوم : ليجعل ما يلقي الشيطان في قلوب أولئك الكفرة فتنة للذين ذكر ؛ لما ظنوا لعله لا يقدر الإجابة لهم ، أو لا يحضره ما يجيبهم ؛ فيكون ذلك فتنة لهم ، والله أعلم.
وقوله : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) كأنهم هم المنافقون ؛ لأنهم هم الموصوفون المسمّون بهذا الاسم ، كقوله : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢].
وقوله : (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) كأنهم هم الرؤساء المكابرون المعاندون لرسول الله ، والكفرة كلهم موصوفون بقساوة قلوبهم ، كقوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤].
وقوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) يحتمل : أي : لفي عناد وفي مكابرة ، بعيد عن الإجابة له ، أو بعيد لاستماع الحق وقبوله.
وقيل : شقاق : أي : خلاف بعيد ، أي : لا يرجعون إلى الوفاق أبدا.
وقوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) وقوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) هذه الآية كالآيات التي ذكرناها فيما تقدم ، من ذلك قوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) الآية [التوبة : ١٢٤ ، ١٢٥] ، ونحوها من الآيات التي وصفت أهل التوحيد بالقبول لها والخضوع والإقبال إليها ، ووصفت أهل الكفر بالرد والتكذيب ، فعلى ذلك قوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) علم الذين أوتوا العلم أن القرآن ومحمدا لحق من ربّك ؛ لأنهم نظروا إليه بالتعظيم والتبجيل والخضوع له ، فأقروا به ، فزاد لهم بذلك هدى ورحمة وشفاء ، وأولئك نظروا إليه بالاستخفاف والاستهزاء والتكذيب ، فزاد لهم بذلك رجسا وضلالا وفسادا.
وقوله : (عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ).
قال بعضهم (١) : هو يوم بدر.
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٣٥٣ ، ٢٥٣٥٥) وعن سعيد بن جبير (٢٥٣٥٦) وقتادة (٢٥٣٥٧ ، ٢٥٣٥٨).