ما أشرك أهل مكة وغيرهم من الكفار في عبادتهم غيره ، وهي الأصنام التي عبدوها.
والثاني : اعبدوا ربكم بالأسباب والأشياء التي عرفكم أنها عبادة ، وكذلك افعلوا الخيرات التي عرفكم أنها خيرات.
والثالث : أن اجعلوا أحوالكم التي أنتم عليها من قيام وقعود ، وحركة وسكون ، عبادة لله تعالى ، واجعلوا تقلبكم أيضا للمعاش الذي أبيح لكم وأذن فيه عبادة ، فالأول هو عبادة بنفسه التي جعلها الله نصّا ، والثاني هو الذي يصير عبادة بالنية والقصد ؛ فيكون في جميع أحواله مؤدي عبادة ، وهكذا الواجب على المرء أن يكون في جميع ما يؤدّي من الصلاة والصيام وغيره مؤدي فرض ، وهو أن يؤدي جميع ذلك بنية الشكر لنعمه ، وتكفيرا لمعاصيه ، وكلاهما لازمان واجبان ، فإن فعل ذلك كان مؤدي لازم ، والله أعلم.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ظاهره خرج على الترجي ، وفي الحقيقة على الوجوب ، على ما ذكرنا فيما تقدم.
وقوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) ليس لحق الله غاية يوصل إليها ، وكذلك قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] ؛ لأنه لو كان لحقه غاية لكان الرسل والملائكة يقومون بوفاء ذلك [و] يتوهم منهم المجاوزة عن ذلك ؛ إذ كل ذي حدّ وغاية يتوهم المجاوزة فيه ، فإن لم يحتمل المجاوزة دل أن حقه ليس بذي حدّ وغاية ، ويكون تأويل قوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) و (حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] حقه الذي احتمل وسعكم وبنيتكم وطاقتكم ، كقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] فيكون هذا تفسيرا لقوله : (حَقَّ تُقاتِهِ) و (حَقَّ جِهادِهِ).
ثم يحتمل قوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) أي : جاهدوا أنفسكم في شهوتها وأمانيها.
أو جاهدوا أعداء الله في دفع الوسواس والمحاربة معهم.
وقوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ) يحتمل وجهين :
أحدهما : (هُوَ اجْتَباكُمْ) للإيمان والهدى والتوحيد.
أو (هُوَ اجْتَباكُمْ) جنسا من أفضل الأجناس وأكرمهم من بين سائر الأجناس ، كقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الإسراء : ٧٠].
وقال عامة أهل التأويل في قوله : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) أي : وحّدوا ربكم ، جعلوا كل عبادة مذكورة في الكتاب توحيدا ؛ فيكون ذكر العبادة هاهنا كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) [النساء : ١٣٦] كأنه قال : يا أيها الذين آمنوا وحدوا ربكم.
ثمّ اختلف في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) :
قال بعضهم : فيه وجوب سجدة التلاوة على ذلك ، وهي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم