أنه قال : «فضلت سورة الحج بسجدتين على غيرها من السور ، فمن لم يسجدهما فلا يقرؤها» (١).
وكذلك روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قرأها فسجد فيها مرتين (٢) ، ثم قال ما ذكرناه.
وتأويله ـ عندنا ـ أن قوله : «فضلت بسجدتين» التي هي من صلب الصلاة ، وسجدة التلاوة في أوّل السّورة ، فمن لم يسجدهما فلا يقرؤها ، وأصله في وجوب سجدة التلاوة : أن كل سجود ذكر في القرآن للخضوع فهو واجب للتلاوة ، لازم له ، وكل سجود كان الأمر به لحق سجود الصلاة فإنه لا يلزمه السجدة للتلاوة ، فالأمر بالسجود في قوله : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) أمر بسجود الصلاة لا غير لم يلزم تاليه السجود بالتلاوة ، والله أعلم.
وقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يحتمل تأويله وجوها :
أحدها : أن عليهم معرفة وحدانية الله ، وألوهيته ، وتعاليه عن الأشباه والشركاء ، وعليهم معرفة نعمه ، والقيام بشكرها له ، والخضوع له في كل وقت ، وإن [لم] يبعث الرسل ، لكنّه بفضله ورحمته بعث إليهم الرسل ليكون أيسر عليهم معرفة ذلك وأهون ، والقيام بأداء ذلك أخف ؛ لأن معرفة الأشياء بالسماع من لسان الصدوق والعدل أيسر ، والإدراك أهون من معرفتها بالنظر والتفكر ، وهو ما قال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ٨٣] أخبر أنه لو لا فضله ورحمته في بعث الرسل ، لاتبعوا الشيطان إلا قليلا ، والقليل الذين استثناهم : الذين يتفكرون وينظرون فيعرفون بالتفكر والنظر ، وذلك لا يعرف إلا بجهد وتكلف ، فعلى ذلك قوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ولكن بعث إليكم الرسل ليكون أوضح لسبيل الحق ومعرفته ، وإن كان له ألا يرسل ، ويكلف ذلك بالنظر والتفكر.
والثاني : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) قطع ما يقع لهم الحوائج ، وتحريم كل أنواع المطاعم والمشارب واللباس عليكم لكنه إذا حرم نوعا منها أباح نوعا آخر بإزائه مما يسدّ به حاجته ويزيح به علته ، ولو حرم كل أنواعها كان حرجا في الدين وضيقا.
والثالث : لم يجعل عليهم من العبادات والفرائض التي كلفهم بها والقيام بأدائها ما لا
__________________
(١) أخرجه أحمد (٤ / ١٥١ ، ١٥٥) وأبو داود (١٤٠٢) والترمذي (٥٧٨) والحاكم (١ / ٢٢١) ، (٢ / ٣٩٠) عن عقبة بن عامر.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦).