جائز في هذا (عَلَيْكُمْ) أي : لكم ، ويكون تأويله : يكون الرسول لكم شهيدا بالتصديق له ، وتكونوا أنتم شهداء للناس بالتصديق لرسول الله إذا صدقتم إياه.
وقال بعضهم : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) ، بمعنى : عليكم ، وتأويله : يكون شهيدا عليكم إذا خالفتموه ولم تصدقوه ، وتكونوا أنتم إذا صدقتم رسولكم ووافقتموه ـ شهداء على سائر الناس إذا كذبوا رسولهم : أنهم كذبوه وخالفوه.
وفي هذه الآية دلالة اتفاق قرن حجة على من بعدهم ، حيث جعلهم شهداء على من بعدهم ومن قبلهم ، وقد ذكرنا تأويل الآية في سورة البقرة.
وقوله : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) فإذا أراد الصلاة المعروفة والزكاة المعروفة ، ففي الأمر بإقامة الصلاة أمر بإصلاح ما بينهم وبين ربهم ، وفي الزكاة إصلاح ما بينهم وبين الخلق ، كقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] وفي حرف عبد الله بن مسعود : إن الصلاة تأمر بالعدل وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
وقوله : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ).
قال بعضهم : بدين الله وهو ما ذكر فيما تقدم ذكره من قوله : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ).
(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ...) إلى [آخر] ما ذكر ؛ فكأنه يقول : اعتصموا بالذي ذكر ، وأصل الاعتصام هو الالتجاء إليه ؛ فكأنه قال : اعتصموا به من كل ما نهى عنه من الشرور ، وبكل ما أمر به من الخير.
وقوله : (هُوَ مَوْلاكُمْ).
قال الحسن : هو مولى كل من تولاه بالطاعة.
وقال بعضهم : المولى : النصير ، أي : هو ناصركم وحافظكم.
(فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).
المانع والنصير : المنتصر ينتصر لهم من أعدائهم ، ويمنع عنهم الأعداء.
وجائز أن يكون قوله : (هُوَ مَوْلاكُمْ) ، أي : ربكم وسيدكم ، كما يقال لمولى العبد : هذا مولاه وسيّده ، والله أعلم.
ويكون في قوله : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) أنه قد بلغكم ؛ (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بأن الرسول قد بلغهم.
قال أبو عوسجة : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ، أي : ما عرفوا الله حق معرفته ، يقال في الكلام : ما قدرتك حق قدرك ، أي : ما عرفتك حق معرفتك.